يعتبر شهر ديسمبر أحد أهم أشهر المواسم الشتوية المعتدلة اللطيفة في مملكة البحرين، وربما أجملها، لما يتخلله من وقوع مناسبتين غاليتين على الشعب البحريني والخليجي؛ وهما العيد الوطني المجيد وعيد الجلوس، وما يتخللهما من برامج وأنشطة وفعاليات في كافة الجامعات والمدارس ومؤسسات الدولة، وحتى بين العوائل والأسر. ويمثل شهر ديسمبر مرحلة انتقالية بين اعتدال الخريف وبرودة الشتاء المعتدلة، ويتميّز بمجموعة من الخصائص الجوية والفلكية التي تؤثر بشكل مباشر في حياة السكان وصحتهم واستهلاكهم للطاقة؛ وتؤدي هذه التغيّرات المناخية في ديسمبر إلى بيئة أكثر اعتدالاً مقارنة بالأشهر الحارة، إلا أنها تحمل معها تحديات صحية مثل زيادة معدلات نزلات البرد والإنفلونزا، وارتفاع فرص تشكّل الضباب، وتأثيرات الرطوبة والرياح الباردة على الجهاز التنفسي والجلد.

وفي هذا الشهر تنخفض درجات الحرارة إلى مستويات تتراوح غالباً بين 14 و24 درجة مئوية، بينما تزداد فترات الليل لتصل إلى أطولها خلال العام مع حلول الانقلاب الشتوي، وفي هذا العام (2025) ستكون أطول ساعات لليل في البحرين في 23 ديسمبر، نظراً لأن موعد الانقلاب الشتوي يتغيّر من 21 و22 و23 ديسمبر للأسباب التالية:

1. الفرق بين طول السنة الفلكية (365.2422 يوم) والسنة التقويمي (365 يوماً).

2. تأثير السنوات الكبيسة (كل 4 سنوات تُضاف 24 ساعة إلى التقويمية).

3. تغيّر سرعة الأرض في مدارها؛ فهي بحسب قانون كبلر الثاني، فإنها تتحرك أسرع عندما تكون أقرب للشمس (الحضيض)، وأبطأ عندما تكون أبعد.

4. التغيّرات الدقيقة في ميلان المحور الأرضي؛ فمحور الأرض يميل بزاوية 23.44 درجة تقريباً، وهذا الميل نفسه يتغير بشكل طفيف جداً مع الزمن (تغيّر لا يشعر به البشر سنوياً).

5. تعديلات التوقيت العالمية؛ بين فترة وأخرى تُضاف "ثانية كبيسة" لضبط الوقت العالمي مع دوران الأرض، وهذا قد يؤثر بفارق ثوانٍ على توقيت الأحداث الفلكية، لكنه تأثير محدود جداً.

وفي المقابل، يعكس شهر ديسمبر تغيّراً ملحوظاً في أنماط استهلاك الطاقة في المملكة، إذ يشهد انخفاضاً كبيراً في الاعتماد على أجهزة التكييف التي تمثل العبء الأكبر على الشبكة الكهربائية خلال الصيف. ويقترن هذا الانخفاض بزيادة طفيفة في استهلاك أجهزة التدفئة والإضاءة نتيجة قصر النهار وانخفاض درجات الحرارة ليلاً. وتوفر هذه الفترة فرصة مهمة لتطبيق برامج ترشيد الطاقة وتحسين كفاءة المباني، بالإضافة إلى تعزيز السلوك البيئي لدى الأفراد والمؤسسات.

ومن أسباب انخفاض الطلب على الكهرباء في المنازل والمباني في ديسمبر هو التالي:

- تراجع الاعتماد على أجهزة التكييف (AC) التي تمثل 70-75% من الحمل الصيفي.

- اعتدال درجات الحرارة نهاراً (الحرارة من 20 إلى 24 درجة)

- اعتدال الرطوبة النسبية تتراوح بين 60-80% تبعاً لحركة الرياح.

لذا، ينخفض استهلاك الطاقة الكهربائية بنسبة 25-40% مقارنة بمستويات الصيف (خاصة يوليو وأغسطس) ولكن يرتفع استخدام السخانات الكهربائية بسبب انخفاض درجات الحرارة ليلاً، وهذا يؤدي إلى ارتفاع بسيط في استهلاك الكهرباء، لكنه لا يقترب من مستويات الصيف مع زيادة بسيطة في الإضاءة الداخلية بسبب قصر ساعات النهار.

إن شهر ديسمبر في البحرين هو نموذج واضح للعلاقة المعقدة بين المناخ والصحة والطاقة في البيئة الخليجية، حيث تتفاعل العناصر الجوية مع أنماط المعيشة لتشكّل واقعاً موسمياً يستحق الدراسة والتحليل من منظور علمي وتنموي.

* أستاذ الفيزياء التطبيقية بجامعة الخليج العربي