أتعرفون أن سوق المنامة كان محطة تجارية رئيسية ومزاراً سياحياً لكل أهل الخليج يجدون فيه بضائع غير موجودة في الإمارات الخليجية كلها؟
أتعرفون أن فرضتها المقابلة لمبنى الجمارك كانت رحلة التجار والزائرين القادمين من شتى بقاع الأرض للنزول والدخول لأرض البحرين؟
أتعرفون أن فرضة المنامة بناها تجار البحرين وأسماؤهم محفوظة، إذ طلب منهم الشيخ عيسى بن علي آل خليفة أن يبنوا الفرضة كقرض؟
«بلغت قيمة القرض الذي تمّ جمعه في عام 1916 من أجل تشييد اللسان البحري لفرضة المنامة حوالي 60,000 روبية، أما قرض تشييد المخازن للفرضة فبلغ 25,000 روبية.
ساهم في تمويل القرض مجموعة من الوجهاء والأعيان بلغ عددهم نحو الثلاثين. تقدم هؤلاء جميعاً حاكمُ البحرين الشيخ عيسى بن علي.
نذكر من قائمة المتبرعين: يوسف بن أحمد كانو، وعبدالله بن حسن الدوسري، وعلي إبراهيم الزياني، وحجي حسن زار حسين الشيرازي، والحاج محمد علي زينل علي رضا، ويوسف بن عبدالرحمن فخرو، وجاشنمال وفاشنمال كملام، وحجي محمد طيب خنجي، وحجي أبوالقاسم، وحجي حسن بوشهري، وسلمان بن حسين بن مطر» (الحادي بشار بن يوسف كتاب أعيان البحرين في القرن الرابع عشر الهجري، ص، 101-102).
تاريخ عريق لهذا الموقع «سوق المنامة» نزيّنه الآن للاحتفال بهوى المنامة فقط، فيظهر لنا في أبهى صوره ونحن نرتاده ليلاً لكننا نعود من جديد لتركه لمصيره بعد انتهاء الاحتفالية.
بنايات مهجورة، ومحلات مغلقة، وخرايب، بالرغم من أننا نستطيع أن نُعيد له أمجاده وجعله محطة تجارية وسياحية ولا أجمل للبحرين لا يقتصر تجميلها على بابها فقط، بل يمتد إلى ما كان يمتد سابقاً عليه طوال شارع الشيخ عبدالله يمينه ويساره.
ومثلما هناك مشروع للمحرق تستاهل المنامة أن يكون لها مشروعها أيضاً، ومثلما قدّمت الدولة سابقاً فرصة لتجار البحرين وأصحاب المحلات التجارية أن يساهموا من خلال نظام القروض للدولة لبناء الفرضة، لابد من العودة لأصحاب تلك البنايات التي تقع على الشارع ومتروكة تعيث فيها الفئران فساداً أن يُعيدوا بناءها وإحياءها على نسق متفق عليه، أو تُعامل كما تمّ التعامل السعودي مع الأراضي البيضاء أي أن يدفعوا ضرائب مقابل عدم استغلالها، أو أن تتملّك الدولة تلك المواقع بشرائها، ومن ثَمّ استغلالها من أجل إحياء السوق من جديد.
قبل يومين كنت في سوق المنامة (أتريق) في مطعم «السنع» ومررت على فندق صغير اسمه «بيت التجار» (Merchant House) به 46 غرفة فقط، موقعه مقابل مقهى حاجي المعروف.
كان المبنى في منتهى الجمال والذوق والروعة، مكان كأنك اقتطعت منزلاً من الريف الإنجليزي بأثاثه المشجر وألوانه الزاهية، ومطعمه الجميل الذي يقع على السطح، كان الفندق بحداثته ومقهى حاجي بعراقته يقابل بعضهما بعضاً في تناغم ولا أجمل.
هذا ما يمكننا أن نحول له سوق المنامة كله لو وضعناه كمشروع متكامل تتضافر فيه جهود الدولة مع أصحاب الأملاك هناك، فنُعيد إحياء الموقع من جديد وجعله مزاراً للسواح مرة أخرى كمشروع متكامل باستراحاته، بمواقف السيارات، بمساره، فلا يُترك هكذا بلا لون ولا طعم ولا رائحة بحرينية أو نحييه في المناسبات فقط.
سوق المنامة ذكريات جميلة لأهل الخليج وللمستشرقين وللتجار الآسيويين خاصة (البونيان)، عمارة المطيري، ومبنى الجمارك، والبريد، والبلدية، وباب البحرين، وفندق عبدالنور (البحرين) الذي سكن فيه الشيخ زايد رحمه الله، تاريخ عريق جرت فيه أحداث رسمت حاضر البحرين.
سوق المنامة نقطة تجمّع بحرينية شكّلت التفرّد الخاص بالبحرين، الذي نجح في صهر التنوعات والتعدديات وأزال عوائق الانصهار بحميميته واحتضانه للعالم كله.
فهل نتركه للإهمال ولا نعرف قيمته حتى يضيع منا؟