في طفولتي كانت زياراتي للمنامة، وخصوصاً أحيائها القديمة، لحظات فرح لا تشبه غيرها، هناك، بين الأزقة والمباني العتيقة وروائح الأسواق القديمة، كنت أشعر بأنني ألامس التاريخ بيدي، وأعيش عراقة المكان بكل تفاصيله.

ومع مرور الوقت ظل في داخلي حلم واحد؛ أن تكون هناك جهة وطنية، رسمية أو أهلية، تتبنى مشروعاً لتوثيق تاريخ هذه الأحياء، ليس عبر الكتب والمطبوعات فقط، بل من خلال متحف حي يحتضن ما يمكن جمعه من ذاكرة المكان، متحف يكون مرجعاً للأجيال، وبوابة يطل منها الزائرون على تاريخ المنامة، ورجالاتها، وإنجازاتها، وتطورها عبر الزمن.

استرجعت حلمي القديم، وأنا أقرأ خبر توقيع وزارة السياحة مذكرة تعاون مع متحف كانو، حيث تهدف إلى الترويج للسياحة الثقافية والتراثية في مدينة المنامة، من خلال تنفيذ برامج ومبادرات مشتركة تبرز الهوية الوطنية والثراء الحضاري للعاصمة، وإدراج المتحف ضمن الوجهات السياحية الرسمية في البرامج والفعاليات الترويجية التي تنفذها الوزارة.

بدا لي أن حلم طفولتي قد تحقق أخيراً، بمتحف يجمع تراث مدينة شهدت الكثير من التحولات، وما تزال تحمل روحها القديمة بكل ما فيها من جمال وعمق.

وحسب ما عرفت، فإن متحف كانو، الذي أقيم في المبنى الأول لمجموعة يوسف بن أحمد كانو في قلب سوق المنامة القديم، يمثل مبادرة تستند إلى قناعة عميقة بأهمية حفظ الهوية، حيث يجمع المتحف بين التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للمنامة، ويقدم سرداً حياً لمسيرة عائلة كان لها دور مؤثر في تاريخ البحرين الممتد لأكثر من 130 عاماً.

هذا النوع من التعاون يفتح الباب لخلق نموذج جديد للسياحة الثقافية في البحرين، سياحة تعتمد على الرواية الحية للمدن، وعلى إبراز الإرث الوطني من خلال تجارب تفاعلية حديثة، وهو ما ينسجم مع خطط تطوير المنطقة التاريخية لسوق المنامة، ومع أهداف استراتيجية السياحة 2022–2026.

مشروع المتحف يؤكد أن حفظ التراث ليس مهمة حكومية فقط، بل شراكة بين الدولة والمجتمع، وبين القطاعين العام والخاص، فالمتاحف العائلية والشخصية، التي تنتشر اليوم في كثير من دول العالم، باتت أدوات فاعلة في حفظ التاريخ المحلي، وتعزيز الهوية، ورواية القصص التي لا نجدها في الوثائق الرسمية، ومتحف كانو، بكل تفاصيله، يقدم مثالاً متقدماً لهذه الفكرة.

وإذا كان حلم طفولتي بحاجة لسنوات كي يتحقق، فمن يدري.. ربما تكون هذه الشراكة بداية لأحلام أخرى، أكبر، وأكثر تأثيراً، تحفظ تاريخ البحرين لأجيال قادمة، وتعيد للمدينة القديمة شيئاً من بريقها وذاكرتها وروحها الأولى.