د. خالد الحمداني

منذ العصور الإسلامية المبكرة، احتلت المرأة في إقليم البحرين مكانة بارزة في المجتمع، إذ أسهمت في تماسك الأسرة واستقرارها، وشاركت في إدارة شؤون الحياة اليومية بثقة وحضور فاعل. وتكشف المصادر التاريخية والفقهية والأدبية عن دورٍ واضح للمرأة في المجتمع، باعتبارها عنصراً أساسياً في بناء العلاقات الاجتماعية، وصيانة قيم التكافل، وحفظ العادات والتقاليد. كما كانت شريكة في صناعة القرار داخل الأسرة، وحاضرة في المجالس النسائية التي شكّلت منصات للتشاور وتبادل الخبرات، ومشاركة في الحياة العامة بما يتناسب مع الأعراف والضوابط الشرعية التي سادت آنذاك.

ولم يقف دور المرأة في تلك العصور عند حدود الأسرة، بل امتد إلى مجالات اقتصادية وثقافية واجتماعية مهمة. فقد شاركت في الحرف التقليدية كالنسيج والغزل وإعداد الطيب، وأسهمت في الأنشطة التجارية المرتبطة بالأسواق والمنتجات المحلية، وكان لها حضور واضح في صناعة العطور واللآلئ، التي شكّلت جزءًا من هوية البحرين الاقتصادية. أما في الجانب الثقافي، فكانت المرأة حاضرة في السمر والمجالس الأدبية النسائية، وفي رواية الشعر وحفظ التراث، كما مارست ألعاب الذكاء وشاركت في الأنشطة الفنية التي تُوثّق في المصادر القديمة.

وفي ميدان التربية والتعليم، كان للمرأة دورٌ محوري؛ فهي المربي الأول للأجيال، والمعلمة الأولى للقيم والآداب ومبادئ الحياة. وقد أكدت المصادر التاريخية مسؤوليتها عن الحضانة وتربية الأبناء، وإدارة شؤون البيت عند غياب الزوج، ومشاركتها في تعليم الصغار أساسيات الدين واللغة، ممّا عزز ثقة المجتمع بقدرتها ومكانتها.

هذا الإرث الاجتماعي العريق، الذي رسّخ مكانة المرأة البحرينية عبر القرون، وجد صداه اليوم في صورة أكثر تنظيماً وحداثة، مع تأسيس المجلس الأعلى للمرأة عام 2001 الذي نقل جهود النهوض بالمرأة من إطارها الاجتماعي التقليدي إلى مشروع وطني متكامل. وتعمل المملكة، برئاسة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، على تمكين المرأة في مختلف المجالات، وتعزيز تكافؤ الفرص، وحماية استقرار الأسرة، وصيانة حقوق المرأة تشريعاً وممارسة.

وقد أثمرت هذه الجهود عن إنجازات لافتة؛ إذ تشكل المرأة نسبة بارزة في التعليم بمختلف مراحله، وصولاً إلى 64٪ من خريجات التعليم العالي، كما ارتفع حضورها في سوق العمل، وفي القطاعين العام والخاص، وتملك نحو 43٪ من السجلات التجارية النشطة. وتعزز موقعها في مؤسسات الدولة التشريعية والبلدية والقضائية، وفي ميادين الرياضة، وريادة الأعمال، والبحث العلمي.

ويأتي يوم المرأة البحرينية — الذي أُطلق عام 2008 — ليحتفي بهذا الامتداد بين الماضي والحاضر، ويعكس تطور دور المرأة من جذوره في العصور الإسلامية إلى نهضتها الحديثة، حيث أصبحت اليوم شريكاً فاعلاً في التنمية الوطنية، وركناً أصيلاً في بناء مستقبل مملكة البحرين.

إنّ المرأة البحرينية — بإرثها التاريخي العميق وحاضرها المزدهر — تجسّد نموذجاً ملهماً في التوازن بين الهوية والحداثة، وتؤكد أن التمكين الحقيقي هو استمرار لمسيرة بدأت منذ قرون، وتُستكمل اليوم برؤية وطنية طموحة تدعمها مؤسسات الدولة، وعلى رأسها المجلس الأعلى للمرأة.* باحث في التاريخ وأكاديمي