في هذه الفترة من كل عام، لا تمر أعياد البحرين كتواريخ فقط، بل كحالة عامة تعيشها البلاد بكل تفاصيلها. فالشوارع أكثر ازدحاماً، والساحات أكثر حياة، وأماكن الفعاليات لا تعرف الفراغ. منذ انطلاق البرامج والاحتفالات المتنوعة المصاحبة للأعياد، بدا واضحاً أن مملكة البحرين دخلت موسماً مختلفاً، موسماً تتقدّم فيه البهجة إلى الواجهة، وتعود فيه الناس إلى المكان، لا كعابرين، بل كمشاركين في مشهد جماعي واسع. وقد شكّلت انطلاقة فعاليات «احتفالات البحرين 2025» منذ مطلع ديسمبر مظلة جامعة لهذا المشهد، بما حملته من برامج متنوعة جمعت بين التراث والحداثة، ولبّت أذواق مختلف الفئات.

من ليالي المحرق الممتدة على طول درب اللؤلؤ، بما تحمله من أمسيات تراثية وأداءات حيّة أعادت الحياة إلى الأحياء التاريخية، إلى مهرجان «هوى المنامة» الذي بث روحاً جديدة في الأسواق القديمة وأزقة المدينة عبر فعاليات ثقافية وفنية جذبت العائلات والزوار طوال اليوم.

كما شكّل معرض «مراعي 2025» ومعرض الإنتاج الحيواني والزراعي محطة مهمة ضمن هذه الدورة الاحتفالية، مقدّماً نموذجاً يجمع بين الترفيه والتوعية، ويبرز الاهتمام بالزراعة والأمن الغذائي في إطار عائلي مفتوح للجميع.

ولا يمكن إغفال القرية التراثية في عسكر، التي تحوّلت خلال هذه الفترة إلى وجهة رئيسية للزوار، بما تقدمه من أجواء تستحضر عبق الماضي، وتعيد تقديم تفاصيل الحياة البحرينية القديمة ببساطة محببة، جعلتها مقصداً للعائلات، ومكاناً يجد فيه الزائر تجربة مختلفة تحمل بصمة بحرينية خالصة، يصعب أن تجد لها شبيهاً في بقية دول المنطقة.

ومن ساحة التراث إلى فضاءات الترفيه، امتدت الحركة إلى الليالي الغنائية والبرامج الترفيهية الحيّة التي شهدتها المسارح المفتوحة، حيث امتلأت المدرجات بالجمهور، وتحوّلت الليالي إلى مساحات مشتركة للفرح. ومع حلول مناسبات العيد الوطني، ازدانت سماء المملكة بالعروض البصرية، من الألعاب النارية إلى عروض الطائرات المسيّرة، في مشاهد ارتبطت في وجدان الناس بالتاريخ والمجد الوطني، وجمعت الآلاف في لحظات احتفال جماعي.

اللافت في كل هذه الفعاليات أنها لم تُصمَّم لتكون نخبوية أو معزولة، بل جاءت قريبة من الناس، من ذاكرتهم وبساطتهم، فبدأ عامل الجذب من الداخل أولًا. المواطن والمقيم وجدا فيها متنفساً وراحة نفسية، ومساحة للقاء والتواصل، قبل أن تتحول تلقائياً إلى عامل جذب للأشقاء في دول الخليج، الذين يقصدون البحرين في هذه الفترة لما تحمله هذه الفعاليات من طابع عائلي، وأجواء دافئة، وتجارب لا تتكرر.

حركة السير الكثيفة، وامتلاء المقاهي والمطاعم، وازدحام أماكن الفعاليات على مدار اليوم، كلها مؤشرات على نجاح هذه التجربة. فالزائر الذي يقضي وقتاً ممتعاً في التجوال واكتشاف الأماكن، يعود ليروي تجربته، ويشجّع غيره على الحضور، فتتسع الدائرة، ويتحوّل الفرح إلى حالة اجتماعية تتغذى على نفسها.

ومع هذا الزخم، يعبّر كثيرون عن رغبتهم في أن تمتد هذه الفعاليات لفترات أطول، خاصة مع قرب الإجازات، لما تمنحه من فسحة زمنية أوسع للاستمتاع، ولما تحققه من أثر إيجابي على الحركة الاجتماعية والسياحية. فمثل هذه البرامج، كلما طال زمن حضورها، ازدادت رسوخاً في الذاكرة، وتحولت من حدث عابر إلى تجربة متجددة.

في المحصلة، تؤكد أعياد البحرين، بما يصاحبها من فعاليات متنوعة ومتفردة، أن الفرح حين يكون صادقاً، ومتصلاً بالهوية، ومفتوحاً لكل فئات المجتمع، يصبح أقوى عوامل الجذب، وأبقى أثراً في ذاكرة المكان، وسبباً دائماً للعودة إليه.