هناك أيام في حياة الأوطان لا تمر بوصفها محطات زمنية عابرة، بل بوصفها لحظات وعي وطني تتجدد فيها معاني الانتماء، ويُعاد فيها ترتيب الذاكرة الجماعية. ويأتي اليوم الوطني لمملكة البحرين ويوم الشهيد ليشكّلا معاً مناسبة وطنية جامعة، تختصر مسيرة دولة، وتؤكد أن الأوطان لا تُبنى بالاحتفال وحده، بل تُصان بالوفاء، وتُحمى بالتضحية.

يمثل اليوم الوطني محطة نستحضر فيها مسيرة مملكة البحرين الحديثة، وما تحقق من إنجازات في ظل قيادة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم، حفظه الله ورعاه، وبمساندة ومتابعة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمدآل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حيث اختارت البحرين أن تُبنى على أسس راسخة من السيادة والاستقرار، وأن تجعل الإنسان محور التنمية، والأمن ركيزة أساسية لازدهار المجتمع واستمراره.

ويأتي يوم الشهيد ليمنح هذا اليوم عمقه الحقيقي، بوصفه يوم وفاء لتضحيات الشهداء من أبناء مملكة البحرين، وفي مقدمتهم شهداء قوة دفاع البحرين وشهداء وزارة الداخلية، الذين قدّموا أرواحهم دفاعاً عن أمن الوطن وسيادته واستقراره. فالشهادة لم تكن لحظة عابرة في تاريخ الدولة، بل كانت تعبيراً صادقاً عن معنى الواجب والانتماء، وترجمة عملية للإيمان بأن الوطن يستحق أن يُحمى مهما كان الثمن.

وقد كان لقوة دفاع البحرين دور وطني راسخ في حماية سيادة الدولة وصون مكتسباتها، من خلال ما قدمه منتسبوها من تضحيات جسيمة، وما اضطلعوا به من مهام دفاعية وأمنية أسهمت في ترسيخ الاستقرار الوطني. ويقود هذا الدور صاحب المعالي المشير الركن الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة القائد العام لقوة دفاع البحرين، في إطار رؤية عسكرية احترافية عززت جاهزية القوة وقدرتها على أداء واجبها الوطني بكفاءة واقتدار.

كما لا يمكن إغفال الدور المحوري لوزارة الداخلية، التي شكّل منتسبوها خط الدفاع الداخلي عن أمن المجتمع، وأسهموا بتضحياتهم وجهودهم في حماية الأرواح والممتلكات، وترسيخ سيادة القانون. وقد ارتبطت هذه الجهود بتطوير مؤسسي مستمر عزز من كفاءة العمل الأمني، ورفع من مستوى الجاهزية، وأسهم في صون الاستقرار المجتمعي.

ولم يكن اقتران اليوم الوطني بيوم الشهيد محض تزامن زمني، بل رسالة وطنية عميقة تؤكد أن الدولة لا تحتفي باستقلالها ومسيرتها إلا وهي واعية بمن حموها، ولا تنظر إلى مستقبلها إلا وهي مستندة إلى تضحيات من رسّخوا أمنها.

ويحمل يوم الشهيد رسالة واضحة للأجيال مفادها أن الوفاء للشهداء لا يكون بالكلمات وحدها، بل بحفظ القانون، وصون الوحدة الوطنية، والعمل بإخلاص من أجل رفعة مملكة البحرين واستقرارها. فدماء الشهداء أمانة في أعناق الجميع، وصون هذه الأمانة يكون بالالتزام بالقيم التي استُشهدوا من أجلها.

حجر الزاوية

يبقى اليوم الوطني ويوم الشهيد حجر الزاوية في الوعي الوطني لمملكة البحرين، حيث يلتقي معنى الدولة بمعنى التضحية، وتترسخ قناعة راسخة بأن الاستقرار الذي ننعم به هو ثمرة قيادة حكيمة، ومؤسسات وطنية راسخة، وتضحيات صادقة من أبناء هذا الوطن. فمملكة البحرين، التي تكرّم شهداءها وتحفظ ذاكرتهم، تمضي بثقة نحو المستقبل، ثابتة في قيمها، راسخة في وحدتها، ومحصّنة بإرادة شعبها ووفائه لتاريخه وشهدائه.