فيصل الشيخ

كل عام، وتحديداً في السابع عشر من ديسمبر، تقف مملكة البحرين وقفة وفاء وامتنان، وقفة لتجديد العهد مع من قدّموا أرواحهم فداءً للوطن. يوم تتقدّم فيه القيم على الشعارات، وتعلو فيه المسؤولية على الاحتفالات.

شهداء الوطن حكاية حية نلمسها في أمننا واستقرارنا وفي شعورنا الدائم بالطمأنينة. هم الذين قدّموا حياتهم ليبقى الوطن قوياً، وليستمر في مسيرته بثبات وعزة، داخل حدوده وخارجها، دفاعاً عن أمنه وسيادته.

من هنا، ننظر إلى يوم الشهيد كقيمة وطنية دائمة، تذكرنا بأن الوطن مسؤولية نتحمّلها جميعاً. وأن المواطنة الحقة تُقاس بالفعل والعطاء، وتُختبر في أصعب الظروف. تلك الظروف التي تُعرف فيها "معادن الرجال".

التضحيات التي قدّمها شهداء الواجب كانت ومازالت أساساً في ترسيخ أمن الوطن وحماية أهله ومكتسباته. فبفضل وعيهم وشجاعتهم، تم إفشال العديد من التهديدات، وحُفظ نسيج البحرين الاجتماعي، وتواصل الاستقرار الذي ننعم به اليوم. هذه التضحيات هي مواقف صنعت فارقاً في تاريخ بحريننا الغالية.

قرار حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، بتخصيص يوم للشهيد البحريني، جاء ليؤكد أن مكانة الشهداء محفوظة في وجدان وطنهم وذاكرتها الأصيلة. فهؤلاء الأبطال حاضرون دائماً، وتخليدهم يمتد إلى سياسات ورعاية تشمل أسرهم وأبناءهم، عبر مبادرات وفاء وعرفان، مثل الصندوق الملكي لشهداء الواجب.

هذا الدعم الرفيع هو التزام أخلاقي ووطني، يترجم تقدير التضحيات الوطنية إلى أفعال، ويوفّر لأبناء الشهداء فرصاً حقيقية في التعليم والتمكين وبناء المستقبل، والمضي على نهج آبائهم الأبطال.

أما دورنا كإعلاميين وكتّاب، أراه دوراً أساسياً في توصيل معنى الشهادة للأجيال بلغة واعية ومسؤولة، وبمشاعر وطنية صادقة؛ فالشهادة لأجل الوطن أسمى نموذج للولاء والانتماء. وهنا تكون أهمية إبراز شهدائنا الأبطال كقدوة، ونموذج وطني يُرسّخ قيم التضحية في أبلغ صورها.

ويبقى السؤال الهام هنا، إذ ما هو واجبنا تجاه شهداء الوطن؟!

أول الأدوار يتمثل بتخليد ذكراهم وألا ننساهم؛ فالنسيان جُحود لتضحياتهم. وثانياً أن نحافظ على ما ضحّوا من أجله، عبر الالتزام بالقانون، والعمل بإخلاص، وتعزيز وحدتنا الوطنية. وأخيراً أن نربّي أبناءنا على أن حب الوطن مسؤولية تُمارس بالأفعال، وأن أرفع الألقاب هو ما يُكتسب بالوطنية والإخلاص والتضحية، وأسمى تلك الألقاب والأوسمة هو وسام "شهيد الوطن".

في يوم الشهيد البحريني، نقول لكل شهيد تقبّله الله إلى جواره في جنة النعيم بإذنه، نقول له أنت باقٍ في قلوبنا وتاريخنا، أنت بطل نفخر بك ونعتز. ونقول لأبنائكم، أنتم أبناء من جسّد أعظم معاني الانتماء، فكونوا امتداداً لهم. ونقول للبحرين أمّنا الغالية بأننا سنواصل الطريق على نهج من بذلوا الأرواح، وفاءً وعرفاناً وفخراً.

ربي احفظ بلادنا وملكنا وهذا الشعب الطيب، وارحم شهداءنا الأبرار واكتبهم في أعلى مراتب الجنان، مع الأنبياء والصديقين والشهداء.