أعيادنا الوطنية تأتي دوماً مكللة بمعاني العز والفخر والانتماء، لكننا نعلم تماماً أنه منذ عقود طويلة تزدان أعيادنا بإنجازات إنسانية أيضاً تؤكد أن الإصلاح في البحرين مسار واقعي تقوده قيادة حكيمة وضعت الإنسان في قلب أولوياتها.

برنامج العقوبات البديلة والسجون المفتوحة، نموذجان يعكسان فكراً متقدماً ورؤية إنسانية أطلقها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه. نموذجان تحولا إلى واقع ملموس غيّر حياة الكثيرين، وفتح أبواب الأمل من جديد أمام من تعثرت بهم الطرق.

بحسب الإحصائيات الرسمية، تجاوز عدد المستفيدين من هذه البرامج عشرة آلاف شخص، من بينهم أعداد أيضاً ضمن نظام السجون المفتوحة. هذا الرقم يعكس آلاف القصص الإنسانية التي أعيدت كتابتها بفضل فرصة جديدة للحياة والعمل والاندماج الاجتماعي.

تمنح هذه المبادرات المحكومين فرصة حقيقية لإعادة بناء أنفسهم، دون أن تُلغى إنسانيتهم بسبب أخطاء سابقة. فبدلاً من أن تكون الأحكام عزلة عن المجتمع، أصبحت وسيلة للإصلاح والتقويم والمشاركة الإيجابية. هذا كله يحصل بتوجيهات جلالة الملك، وبحرص منه على أن تكون العدالة ذات بعد إنساني، تراعي إصلاح الفرد وتمكنه من العودة إلى حياته وأسرته.

اعتدنا في كل عيد ومناسبة وطنية أن نشهد مكرمة ملكية سامية من ملكنا الغالي، تتمثل في قرارات العفو والإفراج عن عدد من المحكومين. ما نشهده هو امتداد لنهج إنساني راسخ في فكر جلالة الملك، الذي يرى في العفو قوة، وفي التسامح فرصة لفتح أبواب العودة أمام من أخطؤوا. هذا التاريخ الطويل من العفو الملكي يعكس شخصية «والد الجميع»، الأب القائد الذي يضع مشاعر الأسر وكرامة الإنسان في صميم قراراته، ويُغلّب جانب الرحمة دوماً؛ فجلالة الملك المعظم يمنح الفرص إيماناً منه بأن أبناء الوطن مهما بدر منهم، فإنهم يظلون جزءاً من نسيجه، وأن حضن أمهم البحرين يتسع دائماً لعودتهم، ليعملوا بإخلاص ومحبة في بناء مستقبلها.

أيضاً هذا المشروع الإنساني جاء مدعوماً برؤية ومتابعة دؤوبة من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، والذي يحرص على استدامة هذه البرامج ضمن منظومة عدالة متقدمة تراعي التوازن بين القانون والرحمة، وتفتح أبواب الفرص للتدريب وتوفير الأعمال.

ما يميز تجربتنا البحرينية هنا أنها سبّاقة في هذا المجال، مقارنة بدول أخرى لاتزال تتبنّى مفاهيم صارمة للعقوبات دون النظر لمرحلة ما بعد المحكومية. في حين اختارت البحرين أن تنظر للمحكومين كأبناء للوطن، يستحقون فرصة جديدة وتوجيهاً يعيدهم للمسار الصحيح. العقوبات البديلة والسجون المفتوحة بقدر مساهمتها في تقليل الآثار السلبية للعقوبة على الفرد والمجتمع، أعادت أيضاً الأمل لأسر كثيرة كانت تعيش ألم الفراق والغياب.

هذه مشاريع إنسانية عظيمة، تسجَّل في رصيد ملك عُرف بحكمته وإنسانيته، فآمن أن بناء الوطن يبدأ بإنقاذ الإنسان مما يهدده ويضل مساره، وفي المقابل منحه حياة تستحق أن تُعاش.