في كل عام؛ ومع اقتراب نهايته يعمد كثيرون إلى وضع خطط وأهداف وأحلام للعام المقبل، تتنوع بين أحلام شخصية أو عائلية، أو حتى على مستوى الوطن والعالم، وخطط تتناول مختلف جوانب الحياة الصحية والنفسية والعاطفية والمالية.

وفي كل مرة؛ نبدأ جميعاً العام الجديد بكثير من الحماسة، ولكن يوماً بعد يوم تبدأ هذه الحماسة بالتراجع، بل وتتحول الأحلام لدى كثيرين إلى أعباء، سرعان ما يتخلصون منها عند أول عثرة، لتتواصل الحياة كما كانت، وكأننا دفنا كل أحلامنا دفعة واحدة.

لكن الأخطر من التراجع عن الحلم، هو أن يصل الإنسان إلى مرحلة لا يملك فيها القدرة على الحلم أصلاً، فهناك فئة لم تهزم فقط في طريق تحقيق طموحاتها، بل استسلمت قبل أن تبدأ، لا تخطط ولا محاولة، ولا ترى في الغد سوى نسخة من الأمس، هؤلاء لا يعيشون بلا أحلام فحسب، بل يعيشون بلا بوصلة.

غياب الحلم يخلق حالة من التيه، فتخيل شخص تائه بلا هدف وبلا شغف، ومع الوقت قد يتحول إلى عبء على محيطه، ليس لأنه شخص سيئ بل لأنه محمّل بخيبات وتجارب فاشلة، فيبدأ بإسقاطها على الآخرين، يشكك في كل فكرة، يسخر من كل محاولة، ويحارب كل ابتكار.

هنا تبدأ العدوى الخطيرة؛ سوداوية تنشر، وأفكار محبِطة تسوق وكأنها واقعية، ومحاولات دائمة لكسر أجنحة الحالمين تحت شعار «خلي عنك الأوهام»، ومع الوقت تصبح الأحلام موضع اتهام، والطموح تهمة، والنجاح استفزاز.

لكن الحقيقة البسيطة التي ينسونها أن كل إنجاز في هذا العالم بدأ بحلم، وأن أكثر الأفكار التي غيرت التاريخ ولدت في لحظة سخر منها الجميع، وأن الفشل ليس نهاية الطريق، بل نقطة لبداية جديدة.

لذلك فنحن اليوم أحوج ما نكون إلى وقفة صادقة مع أنفسنا، أن نترك خلفنا كل آثار الماضي الثقيلة، وكل الترسبات الناتجة عن تجارب سيئة لم نحسن التعامل معها، وأن نتصالح مع إخفاقاتنا، لا أن نحملها معنا كسلاسل تكبل خطواتنا.

النظر إلى الأمام ضرورة، والثقة ليست إنكاراً للواقع بل إيمان بقدرتنا على تغييره، والأمل ليس وهماً بل وقود الاستمرار، والحب، حب الحياة، وحب الذات، وحب المحاولة، هو ما يمنح الأحلام فرصة ثانية، فالمستقبل لا يفتح ذراعيه إلا للحالمين والطموحين، والمستقبل مهما بدا غامضاً فإنه يحمل دائماً فرصة جديدة لمن يجرؤ على الحلم من جديد.

إضاءة

احلم... ولو على استحياء..

واخطُ خطوة... ولو كانت صغيرة.

فالأحلام لا تموت إلا عندما نقرر نحن أن ندفنها.