- يمتلك كل إنسان مجموعة من المخاوف الداخلية التي قد لا يطلع عليها الآخرون، إلا أنها تبقى حقيقية وراسخة في النفس، ويصعب على الكثير تجاوزها أو التحرّر منها. ومع مرور الوقت، قد تتحول هذه المخاوف إلى جزء من شخصية الفرد، بعضها يزرع انطباعاً آمناً، وبعضها الآخر يشكل عائقاً داخلياً يمنع الإنسان من المضي قُدماً بثقة، لتصبح مع الأيام عقبة مستديمة ما لم يبادر إلى مواجهتها والتغلب عليها.
- ليست الحواجز مقتصرة على الواقع الخارجي فحسب، بل هي حواجز نفسية تنشأ بفعل تجارب مؤلمة أو مواقف صعبة، فتترسّخ في اللاوعي حتى تصبح أكبر من قدرة الإنسان على التحدي، ولأن البشر متفاوتون في طبائعهم، فإن مستوى الخوف يختلف من شخص لآخر، فقد تكون مخاوف بسيطة لدى البعض، بينما تظهر كعقد جسيمة لدى آخرين، بل قد تنتقل هذه المخاوف بين أفراد الأسرة، ليتوارث الأبناء ما عاشه آباؤهم، فتتحول إلى نمط يتكرر داخل العائلة ويؤثر على أعضائها جميعاً.
- وللتجربة الشخصية أثر لا يُمحى، فعندما كنت في طفولتي رافقت عائلتي إلى إحدى برك السباحة لقضاء وقت جميل، وأثناء الاستعداد للمغادرة ذهبت لأخذ مقتنياتي دون مرافقة أحد، فسقطت في قاع البركة، بدأت عائلتي تبحث عني في كل مكان، حتى تم العثور علي وإنقاذي بعد وقت طويل، ثم نقلت لإسعافي وقد كتب الله لي حياة جديدة ورغم نجاتي، خلف الموقف داخلي عقدة نفسية عميقة، وفرضت عائلتي بعدها منعاً تاماً لتواجدي في أي بركة سباحة خوفاً من تكرار المشهد، فترسّخت هذه الحادثة كأحد أكبر مخاوفي، حتى وإن تغلبت عليها.
- إن مواقف الحياة كثيرة، لكن تأثيراتها لا تقتصر على صاحب التجربة فقط، فقد تمتد لتطال من حوله أيضاً، وهنا يكمن الخطر الأكبر، إذ قد تنتقل المخاوف كعدوى غير مرئية، فيصبح أثرها أشد من التجربة نفسها، ومن أجل ذلك يجب أن نسعى إلى تخطي الحواجز النفسية حتى نمارس حياتنا بسلاسة واتزان، وأن نحول تجاربنا المؤلمة إلى دروس نافعة لمن حولنا، لا إلى قيود تكبلهم أو تُعيق مسارهم.
- إن التحديات والمواقف الصعبة هي التي تسهم في تكوين شخصية الإنسان وتمنحه ثقة أكبر بذاته، لذلك فإن مواجهة المخاوف هي الخطوة الأولى في بناء ذات متوازنة وقادرة على المضي قُدماً، وكلما بادر الإنسان إلى مواجهة حواجزه الداخلية مبكراً، كانت عملية تجاوزها أسهل وأثرها أعمق، أما الاستسلام لها، فسيجعلها تتضخم مع مرور السنوات وتصبح أكثر صعوبة مما كانت عليه.