في أبوظبي، حين تميل الشمس لتصافح ظلال الغاف، تسمع حكاية يرويها الشجر عنوانها رمز السمو ومضمونها أخوّة كُتبت بعناية، وصيغت بوعيٍ إنسانيٍّ عميق، هنا، حيث تحمل الأرض اسم حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، حيث يبدو الاسم ذاكرةً حيّة تنبض بمعانٍ تتجاوز اللحظة وتستقر في الزمن.
مبادرة دولة الإمارات العربية المتحدة بإهداء مملكة البحرين حديقة تحمل اسم قائدها، تزامناً مع أعيادها الوطنية، هي تعبير بالغ الرقي عن فلسفة إماراتية ترى في الأخوّة فعلاً يُعاش، فالإمارات، وهي تقدّم هذه الهدية، اختارت الحياة ذاتها؛ مساحة خضراء، مفتوحة للناس، تنمو وتتنفس وتحتضن الجميع، وكأن الرسالة تقول إن المحبة الحقيقية هي التي تُمنح للإنسان في تفاصيل يومه، في صحته، وراحته، وحقه في الجمال.
هذه الحديقة، بما تحمله من عناية دقيقة بكل تفصيل، تكشف عن فكرٍ إماراتي يؤمن بأن العلاقات الراسخة لا تُصان بالكلمات وحدها، بل بالأفعال التي تترك أثراً دائماً، الحفاظ على أشجار الغاف المعمّرة، الالتفاف حول جذوعها بدل اقتلاعها، تصميم المسارات بانسجام مع الأرض، وإتاحة المكان لكل الفئات دون استثناء؛ كل ذلك يعكس احتراماً عميقاً للإنسان والمكان معاً، إنها رسالة أخوّة تُقرأ بلغة الاستدامة، وتُترجم إلى جودة حياة.
والبعد الرمزي في هذه المبادرة لا يقف عند حدود التسمية، بل يمتد إلى المعنى الأعمق لفكرة الإهداء نفسها، فحين تهدي دولةٌ شقيقة فضاءً عاماً يحمل اسم قائد دولة أخرى، فهي تخلّد العلاقة في الوعي الجمعي، وتجعلها جزءاً من ذاكرة المدينة، ومن تفاصيل حياة الناس اليومية، يكبر الأطفال وهم يرددون الاسم، ويمر الزائرون وهم يتساءلون عن دلالته، فتُروى الحكاية جيلاً بعد جيل، لا بوصفها حدثاً، بل كقيمة.
إن ما تفعله الإمارات هنا هو بناء استدامة أخوية ناعمة، هادئة، لكنها عميقة الأثر، استدامة لا تُقاس بمدى حضورها في الأخبار، بل بقدرتها على البقاء، وعلى أن تظل معبّرة حتى بعد أن تنتهي المناسبة، وهذه هي قوة المبادرات الذكية: أن تكون بسيطة في شكلها، واسعة في معناها، وبعيدة المدى في أثرها.
يمكننا القول إن هذه الحديقة لم تُهدَ لمملكة البحرين وحدها، بل أُهديت للذاكرة الخليجية المشتركة، هي شاهدٌ أخضر على أن بعض العلاقات لا تُكتب بالحبر، بل تُزرع في الأرض، وتُروى بالمحبة، وتُترك لتنمو.. لتبقى.
فهذه المناسبة أحيت فيَّ كلمات جاءت لتعبّر عن هذا الجمال الإنساني والعلاقة الطيبة وأقول فيها:
يا زايد غرست غاف الوفا ظلّه
يحمي رابطة حبٍ ما يوم تغيّب
أهدت لحمد صرح الأخوّة غرسة
تسقي بذورها دوم عزها يزيد
نبني معاً جسور العز دوماً
في ربوع المحبة ما لها غيب
وفي ظل الوفا نمشي بخطى
تجمع شملنا مهما طال الغيب
أهدت لنا الإمارات العزيمة
بحديقة تنبض بالصفا والطيب
منها تشرق شمس السلام والود
وتزرع الخير في كل حبيب.
* إعلامية وباحثة أكاديمية