لا تأتي أهمية المنتديات الفكرية من عناوينها أو عدد جلساتها، بل من قدرتها على إثارة الأسئلة الصعبة التي نؤجلها أحياناً. وهذا ما لمسناه بوضوح في المنتدى السنوي السابع لمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة (دراسات)، الذي انعقد مؤخراً تحت عنوان «مجمع مراكز البحوث العربية للاستدامة والتنمية»، وتم تنظيمه بالتعاون مع جامعة الدول العربية.
أعاد المنتدى تسليط الضوء على واقع مراكز البحوث العربية، لا من زاوية الإنتاج المعرفي فحسب، بل من زاوية أكثر حساسية، وهي الاستدامة. فالكثير من هذه المراكز يمتلك العقول والخبرات والقدرة على التحليل، لكنه ينقصه نموذج تمويلي طويل الأمد يضمن له الاستمرارية.
وقد طرح الحاضرون، من خلال جلسات العمل، نموذج مركز الفكر الأمريكي الشهير «كارنيجي» كمثال يُحتذى به في توفير مصادر تمويل مستدامة لدعم العمل البحثي، وذلك عبر وقفٍ خُصّص لتمويل نشاط المركز، مطالبين بالنظر في إمكانية تطبيق نموذج مشابه في الدول العربية.
المنتدى، في جوهره، لم يكن احتفالاً بواقع مراكز البحوث العربية بقدر ما كان دعوة لمراجعة هذا الواقع؛ دعوة لتوسيع الشراكات، وتعميق التعاون الإقليمي، وإنتاج معرفة عربية مشتركة تنطلق من خصوصياتنا. شخصياً، استفدت من تواجدي في المنتدى، ومن جلساته المتعددة ومن الحديث الذي جمعني مع الدكتور عبدالعزيز صقر، رئيس مجلس إدارة مركز الخليج للأبحاث ومقره الرياض، حول إمكانية تأسيس مراكز الفكر الخاصة، ومدى سهولة ذلك في منطقة الخليج في ظل غياب الإطار القانوني المنظّم لها، واتفقنا على مناقشة هذا الموضوع بشكل تفصيلي بعد المنتدى من خلال التواصل المباشر.
كما كان اللقاء المطوّل مع الدكتور حسن المؤمني من الجامعة الأردنية، والمتخصص في إدارة الصراعات ودراسات السلام، على مائدة الغداء، من أمتع اللقاءات خلال المنتدى؛ حيث تناولنا تاريخ الدول العربية منذ اتفاقية سايكس-بيكو، وتطرقنا إلى واقع الصراعات العربية التي لا تهدأ، وتحدثنا فيها عن الدولة القومية ومدى مواءمتها مع حال الشعوب العربية.
وقد حقق المنتدى أهدافه، وجاء ناجحاً بكل المقاييس، بفضل دعم رئيس مجلس أمناء مركز (دراسات)، معالي الدكتور الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة، وجهود الطاقم التنفيذي للمركز بقيادة السيد عبدالله محمد الأحمد، الرئيس التنفيذي.
كما أضفت مشاركة معالي الأمين العام لجامعة الدول العربية، السيد أحمد أبوالغيط، زخماً مهماً على المنتدى، لاسيما بعد أن ألقى كلمة الافتتاح، وتحدث فيها بإسهاب عن تجربته الشخصية مع التقارير الصادرة عن مراكز البحوث والمجلات المتخصصة، ودورها في توسيع مداركه بشكل كبير خلال مسيرته الدبلوماسية الطويلة، سواء عندما كان سفيراً أو وزيراً للخارجية.
تحليق منفرد
نسأل الله أن يكون العام الجديد 2026 الذي نستقبله بإذن الله الخميس المقبل عاماً مليئاً بتحقيق الأحلام والإنجازات، وأن يكون عام خير وبركة على الجميع. وندعو الله أن يديم علينا وعليكم الصحة والعافية. وكل عام وأنتم بخير.