لم تأتِ زيارة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله إلى ليالي المحرق في التوقيت الذي اعتادت عليه الزيارات، ولم تقف عند حدود المجاملة أو الظهور الرمزي، بل جاءت في لحظة ذكية من عمر الفعالية، عند ختامها، وكأنها التوقيع الأخير على لوحة اكتملت ألوانها بجهد الناس قبل جهد المؤسسات، فزيارة النهاية ليست تفقداً، بل تقييماً، وليست حضوراً، بل شهادة، هي إعلان صامت بأن ما أُنجز قد بلغ درجة النضج التي تستحق الوقوف عندها، وأن العطاء حين يخلص، لا يحتاج إلى تصفيق بقدر ما يحتاج إلى اعتراف.
في هذا التوقيت بالذات، تحوّلت الزيارة إلى معنى أعلى من الحدث نفسه، لقد بدت وكأنها تقول: إن القيادة لا تأتي لتدشّن فقط، بل تحضر لتُثمّن، ولا تُبارك البداية وحدها، بل تكرّم الخاتمة حين تكون على قدر الرؤية، هنا، تتجلى رمزية عميقة؛ فالوطن لا يُقاس بما يُعلن في أول الطريق، بل بما يصمد حتى آخره، وبما يحافظ على وهجه، دون أن يخفت، وبما يظل نابضاً حتى بعد انصراف الأضواء.
ما حدث في ليالي المحرق لم يكن فعالية انتهت، بل تجربة وطنية اكتملت عناصرها، وكان المواطن فيها شريكاً لا شاهداً، من كل بيت خرج دفء المكان، ومن كل باب قديم تسللت الذاكرة لتصافح الحاضر، فصارت المدينة كائناً حياً يتنفس بالناس ويزهو بهم، وحين جاءت زيارة سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، بدت كأنها انحناءة تقدير لهذا الجهد الجمعي، ورسالة واضحة بأن الدولة ترى، وتدرك، وتقرأ ما بين السطور، وتعرف أن الهوية لا تُفرض، بل تُحتضن.
هذه الزيارة، في رمزيتها، أعادت تعريف العلاقة بين القيادة والمواطن، لم تكن القيادة في موقع المتفقد، بل في موقع الشاهد الأمين على ما صنعه أبناء الوطن بأيديهم وقلوبهم، وهنا تكمن الأسطورة الهادئة: أن القيادة الحقيقية لا تصنع المجد وحدها، بل تقدر من صنعوه معها، وأن الوطن حين يُكتب بصدق، يكتب بسواعد الناس، ثم يُوقّع عليه من القيادة بحكمة.
وفي ختام المشهد، لم تُغلق الأبواب، بل فُتحت الدلالات، فالحكمة التي رسمتها القيادة الرشيدة الحكيمة لشعبها لم تُنطق، لكنها قيلت بالفعل: أن من يحفظ إرثه، يحفظ مستقبله، وأن من يعمل بصمت، يسمعه الوطن كله حين تحين لحظة التقدير.
* إعلامية وباحثة أكاديمية