في إحدى القاعات الدراسية لطلبة كلية القانون، وجّه الأستاذ سؤلاً لطلبته، مفاده: «ما الفرق بين القانون والعدالة؟»، صمت الجميع، بعد ذلك بدأ يقدم بعضهم إجابات تبدأ بكلمة «أتوقع»، «يمكن»، «احتمال» تتبعها عبارات تظهر تشتتاً في المفاهيم، السؤال في واقعه ليس عميقاً، لكن الطلبة لم يتعرفوا على المفاهيم بعد، هذا المشهد واقعي ولم يحدث في جامعة واحدة بعينها، إنما هو متكرر في أغلب كليات القانون وتحديداً في أول محاضرة مع الطلبة الجُدد، لكن من هنا تبدأ الحكاية!

بعد الإجابة على هذا السؤال وتوضيح الفرق بين القانون والعدالة، يحصل في كثير من مدارس وكليات القانون في العالم، افتراق بين المفهومين لاسيما في عملية التعليم، فالتركيز يصبّ على القانون وثغراته، وليس على القيم المرتبطة بالعدالة، لذلك تجد أرقى الجامعات العالمية التي تقدّم القانون تُنتج محترفين في التعامل مع القوانين التي تتعلق بقضية الموكل بها وثغراتها، بغضّ النظر عن أي شيء آخر، فتجد الطالب خلال دراسته يبحث عن الثغرات ليخرج بالنتيجة التي يريدها، دون أن يفكر بفائدة القانون ومبدأ العدل، فكل تفكيره متوجّه نحو كيفية الالتفاف على القانون، ما يعني أن يعمل على الحفاظ على القانون وخرقه بالمهارة نفسها، خذ على سبيل المثال مسألة قانونية يتعرّض لها الطالب خلال دراسته، ألا وهي ارتكاب مخالفة الغش في الامتحانات، فالطالب يحفظ جيداً جملة «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص»، ومع ذلك يجتهد بعض الطلبة في ابتكار طرق للغش، والمهم لديه ألا يقبض عليه بالجرم المشهود، فإذا تمكن من النجاة ولم يترك خلفه دليلاً فهو في وضع قانوني سليم، ذلك يعني أن الطالب لم يتشرّب مع دراسته للقانون، القيم التي يحميها القانون، من المنتفع من القانون، ومن المتضرر من المخالفة، والأخطر من ذلك إذا تخرّج الطالب وهو مقتنع أن القانون أداة وليس قيمة، عندها سيستخدم هذه الأداة للمناورة والمساومة والتهرب والالتفاف، ليخدم الموكل ويصبح المحامي البارع أو الموظف الناجح إذا لم يعمل في المحاماة، والحقيقة أن طالب القانون عندما يعرف جيداً أن الغش هو جريمة ومخالفة وفي الوقت نفسه يرتكبها إذا تأكد من قدرته على الإفلات من العقوبة، هو نوع من التناقض، صنع في الطالب خلال مسيرة حياته وتعاملاته اليومية.

وعلاج هذه المشكلة يبدأ من تعليم القانون، فبدلاً من أن يكون قائماً على الحفظ كما هو الحال في أكثر كليات القانون، يجب أن يكون قائماً على مناقشة الواقعة، وفهم المتضرر منها والمصلحة والنية والعدل، فالقانون الذي لا يغرس كقيمة، سيستخدم كحيلة.

* عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية