يحاول بعض الإخوة في الكويت الحبيبة أن يؤكدوا لإخوتهم في دول الخليج أن إيران لن تبعدنا عنكم، وأن زيارة روحاني ما لم تصب في صالح دول مجلس التعاون فإن تلك الزيارة ستبوء بالفشل، وأن روحاني سمع من الكويت كلاماً كالذي يمكن أن تسمعه إيران من المملكة العربية السعودية أو من البحرين.

حقيقة، إن التعتيم شديد على ما قيل في تلك الزيارة ولا نعرف فحوى الرسالة وتفاصيلها تلك التي نقلت لإيران ولا نعرف بالتالي فحوى وتفاصيل الرسالة التي حملها روحاني هو الآخر.

إنما هناك بعض التسريبات وفقاً لجريدة «الجريدة» تشير إلى أن روحاني قال لدول الخليج وهو يدعوهم للتفاوض المباشر دون شروط أن «هذه هي فرصتهم الأخيرة فاغتنموها»!!!!!!!إن كانت تلك العبارة صحيحة فإن إيران تعيش بالفعل في فقاعة أو أن إيران تجعجع كالعادة في خطابها فقط، أما على طاولة المفاوضات فهي مستعدة للتنازل وأنها وإن كانت ستناور وتملك نفساً طويلاً وتعطي بالقطارة وتجس النبض تماماً كتجار بازارها، فعليك أن (تقاصصهم) حتى تصل معهم لسعر مقبول من الطرفين، لكنها في النهاية تقدم التنازلات وتخرج بخطاب حماسي ثوري تضحك به على جماهيرها وتجعل الاتفاق كأنه انتصار لإيران.

زبدة القول إيران في النهاية ليست دولة تحترم عهودها وتحترم حدودها، إيران كيان خارج حدود العصر وروحاني فشل حتى في استقطاب الاستثمارات الأجنبية وإقناع أصحاب رؤوس الأموال وجذبها لإيران رغم أنه يصف (دولته) بأنها الأكثر «أمناً» والأكثر «استقراراً» في المنطقة، وذلك قول به جزء من الصحة إن قورنت إيران بالعراق مثلاً أو بسوريا أو اليمن، دول المنطقة التي دمرتها إيران حتى تبقى هي الأكثر جذباً للاستثمار فيها، إنما أصحاب رؤوس الأموال مازالوا متشككين من إمكانية أن تحفظ إيران العهود والاتفاقيات التجارية وتتصرف كدولة عصرية رغم كل الإمكانات الهائلة التي يوفرها السوق الإيراني.

و كذلك نحن في دول الخليج نعرف رغبة الشعب الإيراني في العيش بسلام، لكن في ظل وجود هذا النظام فإنه من الصعوبة على إيران أن تكون «دولة» تنتمي لهذا العصر، تحترم سيادة الدول وتؤمن بطبيعة العلاقات الدولية العصرية وتحترم القوانين الدولية، مازال هناك «مرشد أعلى للثورة»، ومازال هناك «حرس ثوري» هما متحكمان في القرار المحلي والقرار الخاص بالعلاقات الدولية، فإن ايران ليست «دولة» بالإمكان التفاوض معها.

تلك الزيارات وتلك الرسائل الموجهة لإيران لا تزيد عن مضيعة للوقت لا يكسب منها إلا الجانب الإيراني وقتاً فحسب. فالنظام الإيراني الحالي الغلبة فيه للمتشددين هكذا نحا الخميني ومن بعد خامنئي بإيران إلى هذا المنحى، ولا يمكن لهذا النظام أن يستمر في الحكم دون أن يكون في حالة حرب دائمة مع الجوار ومع الغرب ومع العالم كله، تتيح له الذريعة لإحكام القبضة على المجتمع الإيراني. فعلى ماذا تفاوض إيران وعلى ماذا تتفق معهم؟

هل على التعهد بعدم تدريب وتمويل الجماعات المسلحة في البحرين واليمن والعراق وسوريا ولبنان والسعودية وعدم تسليحهم؟ وهذا ما سماه روحاني (سوء فهم)!!وما الذي يمكن أن تطلبه إيران مقابل وقف إرهابها ودعمها للإرهاب في جميع تلك الدول؟ ما الذي يمكن أن تتفاوض عليه دول الخليج معها؟ المنطق يقول إنها ستضحي بإحدى مليشياتها مقابل الاحتفاظ بالآخرين، قد تضحي بالمليشيات اليمنية وقد تضحي بالمليشيات البحرينية وهذا هو الاحتمال الأكبر والمتوقع منذ اليوم الأول، إنما هل في إيران رجل دولة يحترم تعهداته؟

مجموعة المعتدلين والإصلاحيين التي كان لها بعض من الأثر لفترات محدودة منذ بداية الثورة انتهوا وانزووا، منهم من قتل، ومنهم من سجن ومنهم من هو تحت الإقامة الجبرية ومنهم من هو في المنفى.

فإيران لذلك لم ولن تستوعب المتغيرات التي تجري الآن على الساحة الدولية، لا في الموقف الأمريكي فحسب، بل حتى في الموقف الروسي الذي لن يترك إيران تقوض مصالحه لحسابها.

إيران لم تدرك أن هناك مخاضاً يجري الآن لتقاطعات ومصالح متناقضة بدأت تبرز للسطح مختلفة عما كان عليه الوضع قبل 2017، إيران لم تنتبه أن هناك غيوماً تتجمع فوق سمائها قد تمطر شرراً من عالم ضاق ذرعاً بعبثها وعالم تغيرت معادلاته وعالم أصبحت إيران عبئاً عليه بعد أن كانت له مفتاح للمنطقة!

نتمنى أن ينبه الإخوة في الكويت الجماعة في إيران إلى أن المبادرة الخليجية هي فعلاً الفرصة الأخيرة إنما ليست لدول الخليج إنما لإيران، هي الفرصة الأخيرة التي تعرضها دول الخليج طوقاً لنجاة إيران؛ لأننا لا نريد أن تكون هناك حرب في المنطقة حتى لو كانت بين إيران وتحالف غربي، فتلك في النهاية حرب يمكن أن يطير شررها ويصلنا، إنما هل ممكن أن يفهم رعاة الإرهاب هذا المنطق؟