الخطأ الذي اكتشفه ذلك البعض متأخراً، وواضح أنه غير قادر على إصلاحه، هو أنه اعتقد أن الجميع يريد ما يريده ويسعى إلى ما يسعى إليه، هذا يعني أنه تحرك بناء على افتراضات وليس على حقائق وواقع، لهذا أصابه كل هذا الذي أصابه وصار في مأزق كبير زاد منه أن الجهة أو الجهات التي افترض أيضاً أنها ستحميه وستدعمه وستقف معه لم تفعل له شيئاً ولم ينل منها سوى الوعود والكلام والتصريحات الفارغة ودعم إعلامي لا يمكن إنكاره لكنه لا يفيده، فالعالم لا يزال قادراً على التمييز بين الصح والخطأ وعلى معرفة ما يريده هذا البعض وتلك الجهات.

ما يحدث اليوم هو نتيجة طبيعية ومتوقعة، فعندما لا يكون هناك أسباب قوية لأي مطالبة بالتغيير ويتم اتخاذ القرار من قبل أناس لا علاقة قوية لهم بالعمل السياسي ويقودون بالتحرك من دون أن يعرفوا إلى أين ستقودهم أقدامهم فإن من الطبيعي أن يكون مآل ما يقومون به هو الفشل. أولئك اعتقدوا أنهم ثوار وأن ما يقومون به ثورة، لم ينتبهوا إلى أن هذا العمل لا يمكن أن يتم من دون توفر الأرضية اللازمة له، إذ لا يمكن لفئة مهما كان حجمها أن تقوم بمثل هذا العمل الذي هو من اختصاص الشعب الذي لا يمكن أن تمثله فئة بعينها فكيف بمجموعة من تلك الفئة بل مجموعة صغيرة؟

الإخفاق في تبين مفهوم الثورة كان سبباً أساساً في هذه النتيجة، والإخفاق في قراءة الساحة جيداً كان سبباً أساساً أيضاً، وكذلك كان سبباً أساساً الاعتقاد أن الشعب بكل فئاته يريد التغيير وأنه فقط ينتظر تحرك البعض ليهب هبة رجل واحد، وبالتأكيد كان خطأ أساساً أيضاً وضع البيض كله في سلة دولة أجنبية لا تزال تتخبط في العمل السياسي وتعاني من معارضة قوية في الداخل بل من رفض شعبي يمكن أن ينهيها في أي لحظة.

هذه النتيجة كانت واضحة ومتوقعة للكثيرين منذ اليوم الأول الذي بدأ فيه ذلك البعض تحركه، والغالب أن ذلك البعض كان يتوقع هذه النتيجة أيضا ولكنه ظل يكابر ويوهم نفسه ويأمل دخول عوامل جديدة في لحظة ما تؤدي إلى التغيير المنشود. منطقاً لا يمكن لمجموعة أو فئة أن تتحدى وتواجه دولة تمتلك كل الأدوات والأجهزة التي تعينها على صد كل محاولة ناقصة ترمي إلى أذاها، لهذا فإن النتيجة لا يمكن أن تكون غير هذه النتيجة التي صار ذلك البعض يلمسها بكل حواسه وواضح أنه غير قادر على تخليص نفسه منها ويعتقد أنه لا خيار أمامه سوى الاستمرار الذي هو في كل صوره يعد انتحاراً.

حال ذلك البعض اليوم بسبب تحركه الخطأ وتخبطه وإدخال نفسه عنوة في العمل السياسي يشبه حال الواقع تحت المنشار، فأيا كان طريق المنشار فإنه سيأكل من جسمه وسيجعله ينزف كثيراً إلا إن انتبه في اللحظة المناسبة وقرر أن يبعد المنشارعنه أو يبعد نفسه عن المنشار، وهذا بالضبط ما ينبغي أن يفعله أولئك اليوم قبل الغد.

مسؤولية ما يحدث اليوم تقع على عاتق من بدأ ذلك التحرك واعتقد أنه متمكن وأنه سيحقق ما يريد في أيام معدودات، وكل ما يتعرض له المواطنون والمقيمون من أذى هو في ذمتهم وعليهم تحمل وزره، وهذا هو بالضبط ما قاله واحد من ذوي المكانة الاجتماعية لأحد «القياديين» قبل نحو سنتين عندما سعى إلى إقناعه بضرورة التوقف عن الأنشطة السالبة التي لا تنفع الوطن ولا يتضرر منها سوى المواطنين والمقيمين الذين لا يوافق أغلبهم أو كلهم على ما يقوم به ذلك البعض.