ها هو ذا الشعب البحريني يثبت مجدداً بأنه مازال يتحلى بتلك الصفات الشهمة التي اتسمت بها فرجانه القديمة، وبرع في التحول الرقمي فاستطاع أن ينقل هذه الأخلاق إلى العالم الرقمي، وبالأخص شبكات التواصل الاجتماعية. نموذجان حدثا مؤخراً، إذ استطاع المواطن تسخير التقنيات لكشف التلاعب بالأسعار والثاني للتحذير من تقلبات الطقس.
ففي الأول، طوع المواطن شبكات التواصل الاجتماعية لرصد التلاعب بالأسعار والكشف للمواطنين عن هذا التلاعب ووعيهم. خلال دقائق معدودة انتشرت هذه المعلومات على شبكة التواصل الاجتماعي وزاد زخمها لتصل في نهاية المطاف إلى تحرك سريع من وزارة الصناعة والتجارة والسياحة لتحمي المستهلك من هذا التلاعب وتتخذ الإجراءات القانونية ضد المتلاعبين. ذلك بالطبع تحول إلى ضغط اجتماعي غير معتاد على المحلات والتجار أنفسهم، فمنهم من هرع مسرعاً وجهز جيشاً من العمال للتأكد السريع من أسعار جميع السلع ومنهم من أعلن عن استعداده لإعطاء قيمة المشتريات مجاناً في حال وجود أي اختلاف في الأسعار. أما النوع الأخير فانتهج سياسات ما قبل التاريخ بقراره منع الزبائن من استخدام هواتفهم للتصوير داخل المحلات.
النموذج الثاني، عكس تفاعل المواطنين مع طوارئ الطقس وفيه تحول المواطنين كلهم إلى خبراء أرصاد جوية. فعوضاً عن متابعة النشرات الجوية وعلماء الطقس اتجهوا إلى متابعة التغريدات والتفاعل على ساحة القنوات الاجتماعية. وما فتئت القنوات الرسمية وعلماء الطقس يحذرون الناس من الانسياق وراء التغريدات مجهولة المصدر أو الكاذبة، حتى تحولت هذه المحاولات إلى دعاية مجانية وجهت الناس إلى اكتشاف هذه المواقع والمغردين بل تحول الاكتشاف إلى إعجاب وتشجيع لهذه القنوات لسرعتها في توفير المعلومات. في الجانب الآخر، اتخذت وزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني موقفاً إيجابياً بملاحظة هذه الشبكات والاستجابة المباشرة للشكاوى وإرسال فرق الطوارئ لإصلاح ومعالجة الطوارئ بسرعة تقارب في الكثير من الأحيان سرعة انتشار التغريدات نفسها. في نفس النموذج مدرستان فكريتان، الأولى مازالت تتواصل مع زبائنها وجمهورها بطرق ما قبل الحداثة والثانية تعايشت مع التحول الرقمي بل طورت عملياتها لتعتمد على شبكات التواصل الاجتماعية كمصدر للمعلومات.
اليوم على جميع المؤسسات والهيئات والوزارات وحتى الشركات والبنوك والمصانع والقطاع الخاص أن يغيروا سياساتهم في قنوات التواصل الاجتماعي. فبدل الحرص على زيادة المتابعين وتلقي إعجاب «likes» الأجدر بها هو إعادة هندسة العمليات وربطها بالمواطن من خلال قنوات التواصل الاجتماعي. فهذه المؤسسات عليها أن تطور وتطوع التقنيات وتأخذ المبادرة للتفكير بأسلوب ريادي ومبتكر خارج الصندوق. فلا بد أن نأخذ في عين الاعتبار الأعداد المتزايدة للمواطنين الذين ولدوا في عصر الإنترنت والذين يعتمدون على مواقع التواصل الاجتماعي بدل البريد الإلكتروني في تواصلهم اليومي. هذا الجيل لم يعد متلقياً للمعلومات بل منتجاً لها ويتسم من المهارات ما يجعله يستطيع أن يقيم ويتحرى دقة المعلومات. الأجدر أن تعمل هذه المؤسسات يداً بيد مع هذه القنوات وتسعى لتطويرها وتطويع معلوماتها لتعيد تغريدها مباشرة. هذه هي الشراكة المجتمعية الحديثة التي نتطلع لتفعيلها في عصر التحول الرقمي الذي نعيشه ونتنفسه كل يوم.
* باحث في مجالات إنترنت المستقبل - جامعة البحرين
{{ article.visit_count }}
ففي الأول، طوع المواطن شبكات التواصل الاجتماعية لرصد التلاعب بالأسعار والكشف للمواطنين عن هذا التلاعب ووعيهم. خلال دقائق معدودة انتشرت هذه المعلومات على شبكة التواصل الاجتماعي وزاد زخمها لتصل في نهاية المطاف إلى تحرك سريع من وزارة الصناعة والتجارة والسياحة لتحمي المستهلك من هذا التلاعب وتتخذ الإجراءات القانونية ضد المتلاعبين. ذلك بالطبع تحول إلى ضغط اجتماعي غير معتاد على المحلات والتجار أنفسهم، فمنهم من هرع مسرعاً وجهز جيشاً من العمال للتأكد السريع من أسعار جميع السلع ومنهم من أعلن عن استعداده لإعطاء قيمة المشتريات مجاناً في حال وجود أي اختلاف في الأسعار. أما النوع الأخير فانتهج سياسات ما قبل التاريخ بقراره منع الزبائن من استخدام هواتفهم للتصوير داخل المحلات.
النموذج الثاني، عكس تفاعل المواطنين مع طوارئ الطقس وفيه تحول المواطنين كلهم إلى خبراء أرصاد جوية. فعوضاً عن متابعة النشرات الجوية وعلماء الطقس اتجهوا إلى متابعة التغريدات والتفاعل على ساحة القنوات الاجتماعية. وما فتئت القنوات الرسمية وعلماء الطقس يحذرون الناس من الانسياق وراء التغريدات مجهولة المصدر أو الكاذبة، حتى تحولت هذه المحاولات إلى دعاية مجانية وجهت الناس إلى اكتشاف هذه المواقع والمغردين بل تحول الاكتشاف إلى إعجاب وتشجيع لهذه القنوات لسرعتها في توفير المعلومات. في الجانب الآخر، اتخذت وزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني موقفاً إيجابياً بملاحظة هذه الشبكات والاستجابة المباشرة للشكاوى وإرسال فرق الطوارئ لإصلاح ومعالجة الطوارئ بسرعة تقارب في الكثير من الأحيان سرعة انتشار التغريدات نفسها. في نفس النموذج مدرستان فكريتان، الأولى مازالت تتواصل مع زبائنها وجمهورها بطرق ما قبل الحداثة والثانية تعايشت مع التحول الرقمي بل طورت عملياتها لتعتمد على شبكات التواصل الاجتماعية كمصدر للمعلومات.
اليوم على جميع المؤسسات والهيئات والوزارات وحتى الشركات والبنوك والمصانع والقطاع الخاص أن يغيروا سياساتهم في قنوات التواصل الاجتماعي. فبدل الحرص على زيادة المتابعين وتلقي إعجاب «likes» الأجدر بها هو إعادة هندسة العمليات وربطها بالمواطن من خلال قنوات التواصل الاجتماعي. فهذه المؤسسات عليها أن تطور وتطوع التقنيات وتأخذ المبادرة للتفكير بأسلوب ريادي ومبتكر خارج الصندوق. فلا بد أن نأخذ في عين الاعتبار الأعداد المتزايدة للمواطنين الذين ولدوا في عصر الإنترنت والذين يعتمدون على مواقع التواصل الاجتماعي بدل البريد الإلكتروني في تواصلهم اليومي. هذا الجيل لم يعد متلقياً للمعلومات بل منتجاً لها ويتسم من المهارات ما يجعله يستطيع أن يقيم ويتحرى دقة المعلومات. الأجدر أن تعمل هذه المؤسسات يداً بيد مع هذه القنوات وتسعى لتطويرها وتطويع معلوماتها لتعيد تغريدها مباشرة. هذه هي الشراكة المجتمعية الحديثة التي نتطلع لتفعيلها في عصر التحول الرقمي الذي نعيشه ونتنفسه كل يوم.
* باحث في مجالات إنترنت المستقبل - جامعة البحرين