في الجزء السابق من المقال أوضحنا أن العمل الإبداعي في أي مجال هو متعة ورغبة داخلية قبل أن يكون شيئاً مفروضاً من الخارج على المبدع «الموظف»، خاصة في مجال الإبداع المؤسسي «وزارة أو شركة أو أياً كان»، وما الجائزة إلا عامل مساعد فقط، وحتى يبدع الموظف لمؤسسته، يجب أن توفر المؤسسة بيئة تتقبل الإبداعات على أنواعها، إذ لا يمكن أن يبدع الموظف في بيئة ترفض الجديد، وحتى تصبح بيئة المؤسسة بيئة إبداعية، يجب على المسؤول أو قائد المؤسسة وفريق إدارته أن يقتنعوا بأن موظفيهم بإمكانهم أن يبدعوا ويبتكروا حلولاً لمشاكل تواجههم، بل ويجب أن يلغوا الكثير من القواعد العقيمة التي تضع حدوداً حول الموظفين تعيقهم في عملية الإبداع، ولما كان الإنسان عدو ما يجهل، فإن المدراء والمسؤولين يتخوفون من إعطاء صلاحيات للموظفين، ويجعلون عملية تسيير دفة المؤسسة تأتي عن طريق واحد، من الأعلى إلى الأسفل فقط، أعني الأوامر والتخطيط من الإدارة، والتنفيذ على الموظفين، وهذا ما يسبب مشكلة قد تبدو لنا صغيرة لكنها تتفاقم مع مرور الوقت حتى تؤدي في بعض الأحيان إلى موت المؤسسات وقلة الإنتاجية.

ولذا يجب أن يعي القائد في المؤسسة أن عملية الإبداع يجب النظر إليها من منظور تكاملي بمعنى أن عملية الإبداع عملية تشترك فيها عدة أطراف: فأولاً هناك الشخص المبدع وهو الموظف أو العامل حيث إن كل إنسان لديه الاستعداد أن يكون مبدعاً بما وهبه الله من عقل، وما يتمتع به من قدرات ودوافع وصفات شخصية، فهو حجر الزاوية في العملية الإبداعية، وذلك لأن الإنسان هو منتج الأفكار، فكل جديد هو من فعل الإنسان وأنه العنصر الأساسي في إنجاز العمل. وثانياً، هناك المجال التخصصي الذي يعمل فيه الموظف، من حيث خصائص إيجابية في هذا المجال بما يشتمل عليه من عناصر مشجعة أو قد تكون أحياناً محبطة في بعض الأحيان للموظف ويمكن أن نطلق على هذا المجال بيئة العمل التي يعمل فيها الموظف حيث يجب أن يحظى فيها بالتقدير والاحترام حتى ولو كان في أسفل السلم الوظيفي، ومن ناحية الجانب المادي في هذه البيئة يجب أن تشتمل على عناصر السلامة وتحتوي على تكنولوجيا عصرية في العمل من أجهزة أو أدوات، أما العنصر الثالث، فهو المحيط الذي ينتمي إليه الموظف ويشتمل هذا المحيط على الأفراد الآخرين المحيطين به والذين قد يكون لهم دور المساند أو النموذج بالنسبة للشخص المبدع.

القائد مهما كان مركزه في بيئة العمل، له دور كبير محوري، ولذا يجب أن تتوفر فيه صفات خاصة حتى يكون دوره محورياً. إن للربط بين القيادة والإبداع أهمية في نجاح استمرار الإبداع داخل المؤسسة وفي تنمية وتهيئة المناخ الإبداعي. فالقادة الإبداعيون لا يرضون فقط بإعادة ترتيب الهياكل الموجودة وتكون مهمتهم في تطبيق القوانين والأنظمة فقط، وبذلك يكون العمل روتيني في المؤسسة مما يسبب في تأخير إصدار القرارات وبطء العمل ولكن يجب على القائد أن يبحث عن طرق جديدة ويجدد في بيئة ونمط العمل وبذلك يحفز الموظفين على السعي المستمر من أجل إيجاد طريقة أفضل للعمل المنتج ذو الجودة والاتقان العالي. إن نمط القيادة الإبداعية هو الاكتشاف وتجديد النفس وتأثيرهما يساهم في تحقيق المصلحة الأعم ويرفع وعي القيادة والأتباع والمنظمة ككل ولذا يجب أن تتوفر في القائد عدة صفات حتى يسير عجلة العمل بطريقة إبداعية ونقول للقائد قم بالأدوار التالية حتى تكون مبدعاً، وسوف نعرض هذه الأدوار في الجزء الثالث من هذا المقال. وللحديث بقية.