امتداداً لمقال أمس والبحث عن إجابة لسؤال «إلى متى» هذا العداء للدولة؟ وأثناء النقاش حول موضوع المناصب هل تكون لأصحاب الولاء أم أصحاب الخبرة، بودنا أن نميز أن «المناصب» مصطلح ليس محصوراً في الدرجات العليا من الهيكل الوظيفي، رئيس أو مدير أو وكيل أو حتى وزير، بل السؤال يجب أن يمتد ليصل هل الوظائف العامة للولاء أو للخبرة؟
وقبل أن نجيب علينا أن نحدد ما أو من المقصود «بالولاء» له؟ وما الذي تحتاجه الدولة كشرط من شروط توليتها الأفراد وظائف عامة؟
«الولاء» الذي تحتاجه الدولة من مواطنيها كي توليهم مناصبها لا يجب أن يكون لأشخاص، فنحن لا نتحدث عن عبودية أفراد لزعماء، نحن نتحدث عن مواطنين في دولة عصرية، إذاً الولاء الذي تحتاجه أي دولة هو أن يكون موجهاً لها ككيان «كدولة» مستقلة ذات سيادة، ولاء يحترم عقدها الاجتماعي كدستور ويقبل ويقسم على الحفاظ عليه والالتزام بشروطه واستحقاقه، وهو ولاء سيشمل تلقائياً ضمن بنوده الولاء للنظام السياسي وللقيادة والزعماء، إلى جانب ولائه لقانونها ومؤسساتها ونظمها وأرضها، دون أن ينقص ذلك من قدره أو من مكانته أو من حقوقه بما فيهم حق الاعتراض والعمل السياسي، هذا هو الولاء الذي تحتاجه الدولة من المواطن كي تمنحه شرف الخدمة العامة وكذلك تعطيه حق الاعتراض والعمل السياسي إنما ضمن الضوابط القانونية.
دون ذلك الولاء فإن من سيتولى منصباً وهو ناكر للدولة أو لنظمها أو قانونها أو لدستورها فهو فرد قابل لأن يستغل منصبه لهدم هذه الدولة وتقويضها بل إن من ينكر دستور الدولة ونظامها وقانونها ويعلن عن ذلك الإنكار ويروج لذلك الفكر فإنه يرتكب جريمة يعاقب عليها القانون في كل الدول، فكيف يولى مناصباً أصلاً؟
وهنا نطرح السؤال من جديد إلى متى ودعاوى التمييز في المناصب ودعاوى عدم التوظيف لا توضع في سياقها الممتد إلى سؤال إلى متى هذا العداء «للدولة»؟ إلى متى فصل هذا السياق عن ذاك؟ وهنا أريد أن أنبه ألا يتذاكى أحد علينا ويقول نحن نوالي هذه الأرض ونحن نحب هذا الوطن وو. نحن هنا نتحدث عن «الدولة» التي تشمل الأرض والناس كلهم والعقد الذي ينظمهم، نحن نتحدث عن مثلث الدولة الكامل هو الذي ينتظر الولاء، فما الفائدة أن توالي الأرض وترفض عقداً اجتماعياً ينظم علاقتك بالآخرين؟ بل ترفض أن تعتبر الآخرين مساوين لك في الحقوق والواجبات وتقسم الناس مذهبياً وتقسمهم حسب الأقدمية وتقسمهم حسب الأعراق؟ ما الفائدة أن توالي الأرض وترفض الانصياع لقوانين الدولة ومؤسساتها وتعتبر الانخراط فيها خيانة لعقيدتك؟
ويقودنا إلى الموضوع الذي تناولته في اليومين السابقين وهو «إلى متى؟» الإنكار بأن لدينا مشكلة تفوق الإنكار بأن هناك مشكلة، أن الشريحة الكبيرة من المجتمع البحريني التي تربي أبناؤها على أن هذه الدولة بنظامها السياسي ودستورها وقانونها ظالمة، وأنه لا ولاء لها ولا لعلمها ولا لرموزها، والمأساة أنها هي ذاتها من يشكو عدم التوظيف، وعدم وجود الفرص لتولي المناصب العليا، في حين أنها هي ذاتها من يقصي ويعادي من يتولى منهم وفيهم المناصب العليا وتتهمه بالخيانة وبالعمالة، وهي ذاتها التي توالي مرجعية سياسية أجنبية تشتكي في ذات الوقت من عدم قبول أبنائها في السلك العسكري، فأي تناقض هذا وأي ازدواجية وضبابية تضرب العمق وتجعل أجيالاً وراء أجيال تتيه وتضيع هويتها وهي داخل أوطانها لا تعرف إلى أين تنتمي؟ ولمن يكون الولاء؟ هل للفقيه وهو فارسي أجنبي رئيساً لدولة، أم للدولة العربية الحالية؟ وذلك يعني القبول بالدستور والنظام والقانون والمؤسسات التابعة لها؟ كيف تولي أي دولة وظائف عامة لأشخاص تتنازعهم الأهواء والانتماءات بهذه الحدة؟
نعم الدولة خاسرة بخسارتها هذه الشريحة، نعم الدولة ترى بأم عينها هدراً للطاقات والخبرات والذكاء والقدرات والإمكانيات، «نعم» لا شك فيها أبداً، إنما ليست هناك أولوية تتقدم على الأمن في أي دولة، أياً كانت خسارتها بالمقابل، فليس هناك شيوعي العقيدة ممكن أن يتولى وظيفة عامة أياً كانت ديانته وإن كان من أم وأب مسيحيين كاثوليكيين في الولايات المتحدة الأمريكية، أو منتمٍ لحزب «الشين فين» الأيرلندي يستطيع أن يتولى وظيفة في بريطانيا، وهكذا حتى في إيران، الولاء للدولة بكل مقوماتها شرط من شروط نيل شرف الخدمة المدنية والترقي فيها.
الأمر يقودنا أيضاً للحديث عن الولاء كسلعة، فهناك من يعتقد أنه ممكن أن يولي فلاناً وهو يعلم ألا قناعة له ولا ولاء له للدولة، إنما يوليه منصباً ظناً أنه يشتري ولاءه، ألا فليعلم من يولي منصباً لفرد على أمل شراء «ولائه» أنه لا حج ولا صام، لا اشترى الولاء ولا نفع المجتمع، وخسر الموقع ولم يمنحه لمن يستحقه، فالولاء قناعة، وتلك أشياء لا تباع ولا تشترى، ومن عرض ولاءه للبيع فهو يعرض نفاقه لا ولاءه، ولنفاقه ثمن غالٍ يدفعه المجتمع، وليعلم أن من عرض المناصب كثمن للولاء أنه خسر كفاءات تنتظر دورها وتتحسر وهي تراه يضيع لمجرد استرضاء لهذا الفرد أو لعائلته أو لطائفته، بل إن هناك أفراداً لفرط ولائهم الحقيقي للدولة تجدهم رغم ذلك يظلمون في مواقعهم ويخسرون مناصبهم فقط لأنهم لا يعرفون للنفاق طريقاً، إنما لا يقصرون في أمانتهم وفي مهامهم لأن لهم ولاء للدولة لا للمنصب.. وما أكثرهم... وما أكثر المنافقين الذي يتملقون من أجل الوصول للمنصب، وما أكثر من يحصلون عليه منهم!!
فإن لم تحل مشكلة الولاء للدولة عند من يعادي دستورها وقانونها ونظامها السياسي ومؤسساتها، إن لم تتم تربية الطفل على احترام رموز الدولة وعلمها وكل ما يتم للمملكة البحرين بصلة، فإن الحديث عن أيهما أحق الولاء أم الخبرة، أو الحديث عن التمييز وبقية قائمة المظلومية حديث قاصر مبتسر مقتطع من سياقه، ولن يحل لهم مشكلتهم.. فإلى متى؟.
وقبل أن نجيب علينا أن نحدد ما أو من المقصود «بالولاء» له؟ وما الذي تحتاجه الدولة كشرط من شروط توليتها الأفراد وظائف عامة؟
«الولاء» الذي تحتاجه الدولة من مواطنيها كي توليهم مناصبها لا يجب أن يكون لأشخاص، فنحن لا نتحدث عن عبودية أفراد لزعماء، نحن نتحدث عن مواطنين في دولة عصرية، إذاً الولاء الذي تحتاجه أي دولة هو أن يكون موجهاً لها ككيان «كدولة» مستقلة ذات سيادة، ولاء يحترم عقدها الاجتماعي كدستور ويقبل ويقسم على الحفاظ عليه والالتزام بشروطه واستحقاقه، وهو ولاء سيشمل تلقائياً ضمن بنوده الولاء للنظام السياسي وللقيادة والزعماء، إلى جانب ولائه لقانونها ومؤسساتها ونظمها وأرضها، دون أن ينقص ذلك من قدره أو من مكانته أو من حقوقه بما فيهم حق الاعتراض والعمل السياسي، هذا هو الولاء الذي تحتاجه الدولة من المواطن كي تمنحه شرف الخدمة العامة وكذلك تعطيه حق الاعتراض والعمل السياسي إنما ضمن الضوابط القانونية.
دون ذلك الولاء فإن من سيتولى منصباً وهو ناكر للدولة أو لنظمها أو قانونها أو لدستورها فهو فرد قابل لأن يستغل منصبه لهدم هذه الدولة وتقويضها بل إن من ينكر دستور الدولة ونظامها وقانونها ويعلن عن ذلك الإنكار ويروج لذلك الفكر فإنه يرتكب جريمة يعاقب عليها القانون في كل الدول، فكيف يولى مناصباً أصلاً؟
وهنا نطرح السؤال من جديد إلى متى ودعاوى التمييز في المناصب ودعاوى عدم التوظيف لا توضع في سياقها الممتد إلى سؤال إلى متى هذا العداء «للدولة»؟ إلى متى فصل هذا السياق عن ذاك؟ وهنا أريد أن أنبه ألا يتذاكى أحد علينا ويقول نحن نوالي هذه الأرض ونحن نحب هذا الوطن وو. نحن هنا نتحدث عن «الدولة» التي تشمل الأرض والناس كلهم والعقد الذي ينظمهم، نحن نتحدث عن مثلث الدولة الكامل هو الذي ينتظر الولاء، فما الفائدة أن توالي الأرض وترفض عقداً اجتماعياً ينظم علاقتك بالآخرين؟ بل ترفض أن تعتبر الآخرين مساوين لك في الحقوق والواجبات وتقسم الناس مذهبياً وتقسمهم حسب الأقدمية وتقسمهم حسب الأعراق؟ ما الفائدة أن توالي الأرض وترفض الانصياع لقوانين الدولة ومؤسساتها وتعتبر الانخراط فيها خيانة لعقيدتك؟
ويقودنا إلى الموضوع الذي تناولته في اليومين السابقين وهو «إلى متى؟» الإنكار بأن لدينا مشكلة تفوق الإنكار بأن هناك مشكلة، أن الشريحة الكبيرة من المجتمع البحريني التي تربي أبناؤها على أن هذه الدولة بنظامها السياسي ودستورها وقانونها ظالمة، وأنه لا ولاء لها ولا لعلمها ولا لرموزها، والمأساة أنها هي ذاتها من يشكو عدم التوظيف، وعدم وجود الفرص لتولي المناصب العليا، في حين أنها هي ذاتها من يقصي ويعادي من يتولى منهم وفيهم المناصب العليا وتتهمه بالخيانة وبالعمالة، وهي ذاتها التي توالي مرجعية سياسية أجنبية تشتكي في ذات الوقت من عدم قبول أبنائها في السلك العسكري، فأي تناقض هذا وأي ازدواجية وضبابية تضرب العمق وتجعل أجيالاً وراء أجيال تتيه وتضيع هويتها وهي داخل أوطانها لا تعرف إلى أين تنتمي؟ ولمن يكون الولاء؟ هل للفقيه وهو فارسي أجنبي رئيساً لدولة، أم للدولة العربية الحالية؟ وذلك يعني القبول بالدستور والنظام والقانون والمؤسسات التابعة لها؟ كيف تولي أي دولة وظائف عامة لأشخاص تتنازعهم الأهواء والانتماءات بهذه الحدة؟
نعم الدولة خاسرة بخسارتها هذه الشريحة، نعم الدولة ترى بأم عينها هدراً للطاقات والخبرات والذكاء والقدرات والإمكانيات، «نعم» لا شك فيها أبداً، إنما ليست هناك أولوية تتقدم على الأمن في أي دولة، أياً كانت خسارتها بالمقابل، فليس هناك شيوعي العقيدة ممكن أن يتولى وظيفة عامة أياً كانت ديانته وإن كان من أم وأب مسيحيين كاثوليكيين في الولايات المتحدة الأمريكية، أو منتمٍ لحزب «الشين فين» الأيرلندي يستطيع أن يتولى وظيفة في بريطانيا، وهكذا حتى في إيران، الولاء للدولة بكل مقوماتها شرط من شروط نيل شرف الخدمة المدنية والترقي فيها.
الأمر يقودنا أيضاً للحديث عن الولاء كسلعة، فهناك من يعتقد أنه ممكن أن يولي فلاناً وهو يعلم ألا قناعة له ولا ولاء له للدولة، إنما يوليه منصباً ظناً أنه يشتري ولاءه، ألا فليعلم من يولي منصباً لفرد على أمل شراء «ولائه» أنه لا حج ولا صام، لا اشترى الولاء ولا نفع المجتمع، وخسر الموقع ولم يمنحه لمن يستحقه، فالولاء قناعة، وتلك أشياء لا تباع ولا تشترى، ومن عرض ولاءه للبيع فهو يعرض نفاقه لا ولاءه، ولنفاقه ثمن غالٍ يدفعه المجتمع، وليعلم أن من عرض المناصب كثمن للولاء أنه خسر كفاءات تنتظر دورها وتتحسر وهي تراه يضيع لمجرد استرضاء لهذا الفرد أو لعائلته أو لطائفته، بل إن هناك أفراداً لفرط ولائهم الحقيقي للدولة تجدهم رغم ذلك يظلمون في مواقعهم ويخسرون مناصبهم فقط لأنهم لا يعرفون للنفاق طريقاً، إنما لا يقصرون في أمانتهم وفي مهامهم لأن لهم ولاء للدولة لا للمنصب.. وما أكثرهم... وما أكثر المنافقين الذي يتملقون من أجل الوصول للمنصب، وما أكثر من يحصلون عليه منهم!!
فإن لم تحل مشكلة الولاء للدولة عند من يعادي دستورها وقانونها ونظامها السياسي ومؤسساتها، إن لم تتم تربية الطفل على احترام رموز الدولة وعلمها وكل ما يتم للمملكة البحرين بصلة، فإن الحديث عن أيهما أحق الولاء أم الخبرة، أو الحديث عن التمييز وبقية قائمة المظلومية حديث قاصر مبتسر مقتطع من سياقه، ولن يحل لهم مشكلتهم.. فإلى متى؟.