دائماً وأبداً ما نستغرب أيما استغراب من تبني بعض العرب لنظرية المؤامرة، وأنهم دون سواهم مستهدفون من طرف الدول المتقدمة وعلى رأسهم أمريكا وأوروبا، فهؤلاء القوم يعتقدون أن كل العالم يتآمر عليهم ويحاول الانقضاض عليهم وتقويض وجودهم بينما في الحقيقة لا أحد يلتفت إليهم أبداً لأنهم ليسوا من المنافسين أصلاً على اقتصاداتهم وسياساتهم وقوتهم الصناعية، فالمتآمر عادة ما يكون نداً لكَ حين تكون نداً له، أما حين تكون أضعف منه بمراحل ولا يحتاجك في شيء فإن كل حديث عن مؤامرة تحاك ضدك هي «نكتة» أو خرافة!

إذا كان ثمة أمر يخيف الغرب ويرعب أمنهم واقتصادهم وقوتهم العسكرية فسيكون هذا الأمر قادماً من الهند أو الصين أو كوريا أو بعض دول أمريكا اللاتينية وليس من الدول العربية في الغالب، فهذه الدول هي التي بدأت تشق طريقها نحو التصنيع والاكتشافات التكنولوجية العملاقة وبناء المحطات النووية وإنشاء أحدث مصانع الأسلحة، وهي الدول التي بدأت تغزو العالم باقتصاداتها الثقيلة وبتكوين علاقات متينة مع دول لا تخطر على بال بشر، ولهذا بات العالم يخشاها بفعل قوتها وليس بوهمها.

ما يدلل على صحة ما نذهب إليه هو ما أعلنه رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاجاني في عدد صحيفة «دي فليت» الألمانية الأربعاء الماضي، أن القارة الإفريقية تعتبر اليوم أحد أبرز شركاء بكين الاقتصاديين، «قد تتحول اليوم إلى مستعمرة صينية».... وقال «قد تصبح إفريقيا اليوم مستعمرة صينية. الصينيون لا يريدون سوى الاستيلاء على المواد الأولية. استقرار المنطقة لا يهمهم». تضيف التقارير قائلة: «تنشط المؤسسات الصينية أكثر وأكثر في إفريقيا منذ حوالي عشرين عاماً خصوصاً في مجال الموارد الطبيعية. وفي 2015 قدرت المبادلات بين القارة الإفريقية وبكين بـ180 مليار دولار «160 مليار يورو»».

الصين إحدى الدول المرعبة والمقلقة للاتحاد الأوروبي الذي تعتبر دوله من أغنى وأعظم وأقوى دول العالم، فهؤلاء لم يقولوا إننا نخاف العرب بل قالوا نخشى الصين. إذاً، لماذا لا يخافون العرب؟ لأنهم أضحوا مشتتين ومبعثرين يعيشون صراعات فيما بينهم دون وجود خطة واضحة لبناء المستقبل إلا ما رحم ربي، فحال العرب اليوم لا يسر عدو ولا صديق، ومع كل هذا الضعف يأتي بعضهم من أجل أن يوهم الرأي العام العربي بأنهم مستهدفون دون سواهم لينظِّر لنظرية المؤامرة العتية على الفهم، بينما الحقيقة تقول إنه يجب على العرب وبدل «اللطم» المخصص على شعار الاستهداف والمؤامرة أن يفتحوا لهم جبهات اقتصادية وسياسية مع الدول التي يخشاها الاتحاد الأوروبي وتكوين صداقات معها كما فعلت الدول الإفريقية التي نسخر منها، وحينها سنقول بكل إصرار وثبات «لا عزاء للواهمين» وإن المستقبل للأقوى وللدول الواقعية.