هناك تفسيرات عديدة في علم النفس لاستخدام البشر آلية دفاعية تسمى «حالة الإنكار»، لكن أشهرها التي تقول إن الإنسان يستخدم هذه الآلية كأسلوب مناورة ليداري بها عجزه أو فشله عن اتخاذ قرار حاسم للمشكلة التي يشيح بوجهه عنها.
استخدام «حالة الإنكار» يكون لإنكار وجود المشكلة، أو لإبعاد الأنظار عنها، أو وضع اليد عليها باعتبارها أساس التداعيات الحاصلة في المشهد الحالي، بمعنى أبسط، هي عيش حالة «توهم» لإبعاد التفكير عن القضية الأساس وتوجيه الانتباه والاهتمام لقضايا أخرى، هي في الحقيقة «حبوب تخدير» للقضية الأولى، فلا تعالج المشكلة، بل قد تضعها في حالة «غيبوبة وقتية» سرعان ما تنتهي لتعود المشكلة الأولى للظهور باعتبار أنها لم تختف أصلاً بل كانت مستمرة.
من يستخدم أسلوب «الإنكار» ويصر عليه يرتكب أكبر خطأ حينما يحاول أن يعممه على بقية البشر، كمن يقود الناس إلى حافة هاوية ثم يتركهم لمصيرهم، إما الرجوع للوراء لإنقاذ أنفسهم فيحصل التدافع ويدهس بعضهم البعض، أو يسقط في يدهم فلا يجدون إلا المضي إلى الأمام، وبالأحرى لا يجدون إلا السقوط تباعاً في الهاوية واحداً تلو الآخر في مشهد «انهيار» هو نتيجة حتمية لحالة «الإنكار».
الكاتب الأسترالي جيرمي جريفيث يصف «حالة الإنكار» بأنها محاولة للهرب من المشكلة أو التهرب من مواجهتها بادعاء أن الأمور خلاف لما هي عليه في الواقع.
بينما نموذج كيوبلر روس «مراحل الحزن الخمسة» يضع «الإنكار» على رأس المراحل ويفسر على أنه حالة دفاع مؤقت لكن في اتجاه إغماض العين عن المشكلة الحقيقية التي يربطها روس بالموت، ويشير في النهاية إلى أن المرحلة الأخيرة توصل الشخص إلى التقبل، لكن التقبل هنا مرهون بالوقائع التي ستفرض عليه فرضاً أسلوب التقبل هنا للمشكلة التي حاول إنكارها في البداية.
حينما تترك المشكلة الأساس دون حل، ويمارس المعنيون بحلها حالة الإنكار وعدم الرغبة في تذكر دقائق الوقائع التي تكشف الحقيقة المرة، وبالتالي يجنحون إلى حلول لا علاقة لها البتة بحل المشكلة الرئيسة.
تقول الكاتبة السودانية منى أبو زيد: «الإنكار السياسي لا يتعلق بمشاعر الحكومات بل بأقوالها التي تنزل أفعالاً على رأس الشعوب»، وتمضي لتفصل فتقول: «الإنكار الدائم دلائل فوضى وتخبط (..) وفقدان الشعب الثقة في نزاهة اللاعبين وجدوى الكراسي!».
الآن لو جئنا لنرى تطبيق حالة «الإنكار» لدينا في الداخل البحريني سنجد أن كثيراً من الأطراف المعنية «اللاعبين» في الشأن السياسي مارست حالة الإنكار بعيد انتهاء حالة السلامة الوطنية، هناك من «أنكر» نصبه المشانق وشتم رموز الحكم وإباحة قتلهم والمطالبة برحيلهم وإسقاط النظام، وهناك في جانب آخر من دخل في حالة «إنكار» لارتكاب هؤلاء هذه الأفعال! وبالتالي كثير من الأطراف خرجت على الناس لتقول لهم من منطق حالة «الإنكار» إن البحرين تعيش اليوم مثلما كانت في السابق، وسط مجتمع مترابط قوي لا تنخر جسده الطائفية، وإن الجميع فيه يدعون للحمة والتعايش ورص الصفوف!
حالة «الإنكار» هذه هي التي تقود هذا البلد إلى مصير مجهول، هي التي تجعل المواطن البسيط المسالم الذي يريد أن يعيش بدون فوضى وإرهاب وعذاب يرى نفسه يعيش في دوامة لا تنتهي، وأقول المواطن البسيط لأنه الوحيد الذي لم يصب كثيرون منه أنفسهم بداء «الإنكار»، بل باتوا المتضررين من حالة «الإنكار» الممارسة من عدة أطراف في كل جانب، بات يخيفهم عدم الثبات في المواقف والأفعال، باتت تقلقهم حالة «خداع النفس» و»ادعاء» أن كل الأمور بخير وطيبة.
حالة «الإنكار» واضحة لما حصل في البحرين، خاصة بالنسبة إلى أطراف بات الناس يتحسسون من كلماتها وأفعالها ومواقفها، وكأنها تريد «لو تأتى لها» أن تمسح ذاكرة كل شخص بضغط زر، وبالتالي تتمكن من قلب الصفحة من جديد.
المشكلة إن كان «الإنكار» يصدر بنسبة أكبر من الطرف المفترض أن يكون هو المصر على رفض النسيان وتصحيح ميزان العدالة وتطبيق القانون، في حين الطرف الآخر الساعي للانقلاب في كل ساعة ولحظة لا يعيش نفس الحالة، أو أقلها لا يمارسها وكأنه مقتنع بها ومخلص في هذا الاقتناع، هنا الوضع ينذر بكارثة حقيقية.
حالة «الإنكار» لا تكون إلا في حالة العجز عن إيجاد حل حقيقي للمشكلة، وبالتالي يكون إنكار وجودها وإنكار تداعياتها «حلاً تخديرياً مؤقتاً» لها، بينما الحقيقة هي ليست حلاً، بل حالة تخلق فرصاً لمزيد من التفاقمات للمشكلة.
حالة «الإنكار» مشكلة لها تداعيات خطيرة، إذ كما يشخصها علماء النفس، هي حالة إنكار للأسباب الحقيقية للمشاكل، حالة تعمل على تناسيها ورميها وراء الظهر، والخطير هنا أن هذا لا يحل المشكلة بل يفاقمها حتى يوصل الوضع إلى مرحلة الانهيار. ولكم تخيل «الانهيار» كيف يكون!
{{ article.visit_count }}
استخدام «حالة الإنكار» يكون لإنكار وجود المشكلة، أو لإبعاد الأنظار عنها، أو وضع اليد عليها باعتبارها أساس التداعيات الحاصلة في المشهد الحالي، بمعنى أبسط، هي عيش حالة «توهم» لإبعاد التفكير عن القضية الأساس وتوجيه الانتباه والاهتمام لقضايا أخرى، هي في الحقيقة «حبوب تخدير» للقضية الأولى، فلا تعالج المشكلة، بل قد تضعها في حالة «غيبوبة وقتية» سرعان ما تنتهي لتعود المشكلة الأولى للظهور باعتبار أنها لم تختف أصلاً بل كانت مستمرة.
من يستخدم أسلوب «الإنكار» ويصر عليه يرتكب أكبر خطأ حينما يحاول أن يعممه على بقية البشر، كمن يقود الناس إلى حافة هاوية ثم يتركهم لمصيرهم، إما الرجوع للوراء لإنقاذ أنفسهم فيحصل التدافع ويدهس بعضهم البعض، أو يسقط في يدهم فلا يجدون إلا المضي إلى الأمام، وبالأحرى لا يجدون إلا السقوط تباعاً في الهاوية واحداً تلو الآخر في مشهد «انهيار» هو نتيجة حتمية لحالة «الإنكار».
الكاتب الأسترالي جيرمي جريفيث يصف «حالة الإنكار» بأنها محاولة للهرب من المشكلة أو التهرب من مواجهتها بادعاء أن الأمور خلاف لما هي عليه في الواقع.
بينما نموذج كيوبلر روس «مراحل الحزن الخمسة» يضع «الإنكار» على رأس المراحل ويفسر على أنه حالة دفاع مؤقت لكن في اتجاه إغماض العين عن المشكلة الحقيقية التي يربطها روس بالموت، ويشير في النهاية إلى أن المرحلة الأخيرة توصل الشخص إلى التقبل، لكن التقبل هنا مرهون بالوقائع التي ستفرض عليه فرضاً أسلوب التقبل هنا للمشكلة التي حاول إنكارها في البداية.
حينما تترك المشكلة الأساس دون حل، ويمارس المعنيون بحلها حالة الإنكار وعدم الرغبة في تذكر دقائق الوقائع التي تكشف الحقيقة المرة، وبالتالي يجنحون إلى حلول لا علاقة لها البتة بحل المشكلة الرئيسة.
تقول الكاتبة السودانية منى أبو زيد: «الإنكار السياسي لا يتعلق بمشاعر الحكومات بل بأقوالها التي تنزل أفعالاً على رأس الشعوب»، وتمضي لتفصل فتقول: «الإنكار الدائم دلائل فوضى وتخبط (..) وفقدان الشعب الثقة في نزاهة اللاعبين وجدوى الكراسي!».
الآن لو جئنا لنرى تطبيق حالة «الإنكار» لدينا في الداخل البحريني سنجد أن كثيراً من الأطراف المعنية «اللاعبين» في الشأن السياسي مارست حالة الإنكار بعيد انتهاء حالة السلامة الوطنية، هناك من «أنكر» نصبه المشانق وشتم رموز الحكم وإباحة قتلهم والمطالبة برحيلهم وإسقاط النظام، وهناك في جانب آخر من دخل في حالة «إنكار» لارتكاب هؤلاء هذه الأفعال! وبالتالي كثير من الأطراف خرجت على الناس لتقول لهم من منطق حالة «الإنكار» إن البحرين تعيش اليوم مثلما كانت في السابق، وسط مجتمع مترابط قوي لا تنخر جسده الطائفية، وإن الجميع فيه يدعون للحمة والتعايش ورص الصفوف!
حالة «الإنكار» هذه هي التي تقود هذا البلد إلى مصير مجهول، هي التي تجعل المواطن البسيط المسالم الذي يريد أن يعيش بدون فوضى وإرهاب وعذاب يرى نفسه يعيش في دوامة لا تنتهي، وأقول المواطن البسيط لأنه الوحيد الذي لم يصب كثيرون منه أنفسهم بداء «الإنكار»، بل باتوا المتضررين من حالة «الإنكار» الممارسة من عدة أطراف في كل جانب، بات يخيفهم عدم الثبات في المواقف والأفعال، باتت تقلقهم حالة «خداع النفس» و»ادعاء» أن كل الأمور بخير وطيبة.
حالة «الإنكار» واضحة لما حصل في البحرين، خاصة بالنسبة إلى أطراف بات الناس يتحسسون من كلماتها وأفعالها ومواقفها، وكأنها تريد «لو تأتى لها» أن تمسح ذاكرة كل شخص بضغط زر، وبالتالي تتمكن من قلب الصفحة من جديد.
المشكلة إن كان «الإنكار» يصدر بنسبة أكبر من الطرف المفترض أن يكون هو المصر على رفض النسيان وتصحيح ميزان العدالة وتطبيق القانون، في حين الطرف الآخر الساعي للانقلاب في كل ساعة ولحظة لا يعيش نفس الحالة، أو أقلها لا يمارسها وكأنه مقتنع بها ومخلص في هذا الاقتناع، هنا الوضع ينذر بكارثة حقيقية.
حالة «الإنكار» لا تكون إلا في حالة العجز عن إيجاد حل حقيقي للمشكلة، وبالتالي يكون إنكار وجودها وإنكار تداعياتها «حلاً تخديرياً مؤقتاً» لها، بينما الحقيقة هي ليست حلاً، بل حالة تخلق فرصاً لمزيد من التفاقمات للمشكلة.
حالة «الإنكار» مشكلة لها تداعيات خطيرة، إذ كما يشخصها علماء النفس، هي حالة إنكار للأسباب الحقيقية للمشاكل، حالة تعمل على تناسيها ورميها وراء الظهر، والخطير هنا أن هذا لا يحل المشكلة بل يفاقمها حتى يوصل الوضع إلى مرحلة الانهيار. ولكم تخيل «الانهيار» كيف يكون!