« التعقل» في مفهومه البسيط هو قدرة الفرد أو الجهة على مراجعة نفسها ذاتياً، وتقييمها، وهذا بالضبط ما نرجوه من أي قرار أو قانون جديد يصدر أو يستحدث.

فمن الطبيعي والمنطقي، بل أعتقد أنه من الواجب على الجهات أن تراجع نفسها و«تتعقل» في بعض القوانين أو القرارات التي تعمل بها بما يتناسب مع طبيعة الوضع نفسه، فكما يقوم الإنسان العاقل «بالتعقل» في العديد من أمور حياته، ويعيد النظر فيما قام به من تصرفات أو أمور فمن باب اولى أن تراجع الجهات والمؤسسات الحكومية بعض التطبيقات التي تقوم بها من باب «التعقل».

أعلم أن من الاخطاء الفادحة أن تلوم كل جهة حكومية الجهة الاخرى، وأن يتم تراشق الاتهامات، ولكن التكامل يستوجب العمل المشترك، ويستوجب أيضاً أن تعترف كل جهة باختصاصاتها وهذا نوع من التعقل.

لا ضرر مثلاً أن تراجع الإدارة العامة للمرور قانون المرور، وآليات تطبيقه، ولا ضرر في أن تقوم بمراجعة زيادة حجم المخالفات أخيراً، وأعتقد بأن ما قامت به الإدارة العامة للمرور هو خطوة احترازية واستباقية وأعني هنا إضافة 10% على سرعة الشوارع لاحتساب مخالفات السرعة. ولا ضرر في أن تراجع الإدارة العامة للمرور خطتها التوعوية كذلك لتتأكد من تحقق الفهم لدى مستخدمي الطريق، وتقوم بمزيد من حملات التوعوية.

كما لا ضرر أن تراجع وزارة الأشغال سرعة الشوارع وتضع حلولاً عقلانية بشأنها، ولا ضرر في أن تدرس وزارة الأشغال حلولاً للإشارات الضوئية بما يتناسب مع تطلعات مستخدمي الطريق.

إن «التعقل» بحاجة إلى مرونة، لا نقصد أن نوجه أصابع الاتهام إلى جهة أو طرف، بل نهدف إلى الوصول إلى حلول سليمة تتناسب مع تطلعات الشعب.

وليكن لنا في قيادتنا الرشيدة قدوة حسنة، فها هو رئيس وزرائنا الموقر، يحرص على مراجعة القرارات بما يتناسب مع ما يتطلع إليه الشعب، وها هو حفظه الله يخرج علينا في كل مرة ليقول كلمة الفصل في وجوب «مراجعة» القوانين التي لا تتناسب مع تطلعات الشعب، وتعديلها ومراجعتها بما يضمن «مصلحة المواطن».

أن نتعقل لا نعني عدم الاعتراف بالخطأ، فلا أحد عاقل يقصد «تصيد» الأخطاء على منظومته الخدماتية، إنما «التعقل» هو مبادرة الجهة المسؤولة بمراجعة ما تقوم بها دون أن يطلب منها ذلك، وهذا ما نرجوه من الجهات الحكومية، نأمل منهم أن «يتعقلوا» وأن «يراجعوا» قوانينهم وأنظمتهم ومعرفة الصالح منها من عدمه، بالإضافة إلى أننا نريد أن يكون هناك استطلاعات رأي تقيس مدى رضى الناس عن الخدمات المقدمة لهم، مع أنني أؤمن بأن شعب البحرين شعب «طموح» ولا يعجبه أي شيء، إلا أن هذا لا يمنع أن تطمح جميع الجهات الخدماتية إلى التعرف على مدى رضى العملاء عن الخدمات المقدمة لهم، ليس هذا وحسب بل يجب التعرف من خلال العملاء على إمكانية تطوير الخدمات، وهذا يتطلب من العملاء «التعقل» أيضا، فلا يعقل أن أقوم بمخالفة «عيني عينك» وتنتقد النظام والخدمة المقدمة.

التعقل لا يقع على عاتق الجهات الحكومية وحسب، بل هي مسؤولية مشتركة تقع على الطرفين بما يحقق صالح المجتمع.