اضطر جلالة الملك حفظه الله إلى أن يلقي بمرساته أمس الأول في خضم اللغط الذي بدأت بوادر استفحاله تتصاعد لتخلق حالة من السخط تجاه الجاليات الأجنبية من المقيمين في البحرين، مذكراً المسؤولين بمهامهم وبضرورة أن يتحركوا بشكل مسبق، وبأن تكون حواسهم يقظة تنتبه إلى أجراس الإنذار المبكرة كما فعل بحكمته بالأمس، مستشعراً خطر ضرب النسيج الاجتماعي البحريني وتعريضه للتمزيق.فكانت كلمة جلالته تذكيراً بأصول أهل البحرين الراقية، وشحناً للذاكرة بفعل أجداد البحرينيين حين كانوا حضناً لكل لاجئ ولكل (معتاز) ولكل ضيف مار على أرضها، حتى لا ننسى حقيقتنا وتاريخنا.وهذا هو الواقع، فبيان الأمس لم يكن سوى تذكير بالواقع وشحذ للذاكرة بالحقائق الدامغة ليس إلا، حتى لا ننساق أحياناً بفعل فاعل ونشارك من حيث لا ندري بخلق حالة هيجان غير منضبطة لا تحمد عقباها، خاصة ونحن نرى ما يجري حولنا من أساليب وطرق مبتكرة وجديدة تفشل الواحدة منها في خلق التصادم المجتمعي، فتظهر الأخرى البديلة لها من أجل خلق "حالة عامة" أو "مزاج عام" ساخط، وهي الخطوة الأولى التي تسبق تحريك الجموع، أو تسبق تهيئة الأجواء لتبني أحد ما فكرة استخدام العنف وهكذا تنطلق الشرارة.فليست كل حالة عامة وليس كل مزاج عام ساخط هو مزاج عفوي في أيامنا هذه، بل علمتنا التجربة أن إدارة "المزاج العام تكون أحياناً وأضع ألف خط تحت أحياناً عملية تحدث بفعل محرك للخيوط، يحتاج الأمر يقظة لنفرق بين رسالة و رسالة.بعد خبر إلقاء القبض على شخص من بني جمرة فبرك رسالة ووزعها على وسائل التواصل الاجتماعي باسم "أهالي الرفاع"، وبعد اكتشاف فبركة "رسالة" أخرى من شخص آخر تم توزيعها باسم أحد التجار تدعي أنه لن يكون هناك لحم طازج في رمضان، اتضح أن هناك محاولات مكثفة هذه الأيام تحديداً "لإدارة السخط"، ومن غير المستبعد أبداً أن الحملة المضادة للمقيمين في البحرين في وسائل التواصل الاجتماعي المنتشرة الآن ليست عفوية بل هي الأخرى عمل ممنهج وليست ردة فعل اعتباطية بل المقصود منها "تهييج" الرأي العام بتعمد وقصد، واختار صانعها هذه المرة "المقيمين" في البحرين على اختلاف جنسياتهم مادة لإشعالها.هل كل تعبير عن الرأي هو عمل ممنهج ومرفوض؟ أبداً.. فالتعبير عن الرأي حق دستوري لكل مواطن، بل لكل مقيم على أرض مملكة البحرين، هل كل من له اعتراض على قرار أو أداء للسلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية ضالع في حملة ممنهجة؟ أيضاً الجواب هو لا بالتأكيد، فلا يجب أن نتخذ هذا التحذير من وجود من هو محرك للسخط أداة لقمع الرأي أو اتهام كل من يمارس حقه في نقد وتقييم أداء السلطة التنفيذية أو التشريعية واتهامه بأنه ضالع في مؤامرة، هذا قميص لعثمان يتذرع به ضعاف الأداء لحماية أنفسهم من النقد.إنما لا ننكر أن هناك بالمقابل من هو مكلف فعلاً بمهمة مدفوعة الأجر ليدير عملية "السخط" ويوجهها ويعمل على تصعيدها نحو العنف، أو يعمل على خلقها إن لم توجد وتصعيدها، صحيح إذاً أنه ليس كل سخط في الرأي العام هو عمل ممنهج، إنما صحيح أيضاً أنه ليس كل تصعيد هو فعل تلقائي وعشوائي، بل يوجد من هو جالس خلف الستار ولديه بعض الخيوط ويحركها، ومع الأسف، من الصعوبة التفرقة بين التصعيد التلقائي والتصعيد الممنهج حتى ينكشف أو تلتقطه العين الأمنية الخبيرة وتتبعه وتكتشفه كما حدث حين اكتشفت أجهزة الأمن أن وراء من كتب رسالة باسم أهل الرفاع يدعوهم فيها للتجمع هو شخص من بني جمرة !!!!!!!وبالطبع يتحمل المسؤولون الحكوميون مسؤولية تصاعد حالة السخط دون ضبطها، وليس المطلوب ضبطها أمنياً، إنما ضبطها بعدم ترك الفراغ المعلوماتي من قبل الوزارات المعنية والتي تملك المعلومة الصحيحة.ضبطها بعدم تجاهلهم لردات الفعل والإشاحة بوجههم عن بوادر السخط، فيساعدون بصمتهم وتجاهلهم وعدم تحملهم مسؤوليتهم من حيث لا يقصدون على انتشار السخط واتساع دائرته، حين يتخبطون في قرارات غير مدروسة، أو حين يدرسون القرار لكنهم لا يحسبون حساب ردات الفعل الشعبية، أو أحياناً تجد مستشاريهم يشجعونهم على عدم الالتفات إلى ردات الفعل الشعبية لأنهم هم، أعني المستشارين، عاجزون ولا يملكون فن مخاطبة الآخرين أو احترامهم، فتكون قرارات المسؤولين المتخبطة أو صمتهم (هدايا) جاهزة كافية جاءت على طبق من ذهب وفرصة مجانية لمديري عملية السخط، تكفيه عبء التفكير بخلق أجواء مناسبة لها، فما عليه سوى إدارة هذه العملية بأسلوب مدروس وممنهج.فكأن صاحب تلك الخيوط يشكر المسؤول ويقول له (يا بعدهم كلهم خلك ساكت واترك الباقي علي).