صدر قبل أربعة أيام بيان مهم من جمعيتي المنبر الإسلامي والإصلاح، نتمنى أن يؤسس لمرحلة جديدة يبني عليها «التيار» -كما أطلق البيان على أعضاء الجمعيتين والمتعاطفين معها- مواقف أكثر حسماً تجاه ما يجري من أحداث، وأهمها موقف الجمعيتين من الإجراءات التي اتخذتها مملكة البحرين تجاه ممارسات القيادة في الشقيقة قطر، وتجاه مشاركة البحرين في الحرب على الإرهاب.

فما عاد للصمت معنى بحجة اتقاء الفتنة، إن تأكيد البيان على استحقاقات «الدولة» لا الأمة هو أهم ما جاء في البيان، وهذا يتطلب مراجعة العديد من أدبيات «التيار» البحريني بل وحمل المبادرة إلى «التيارات» المماثلة والمقاربة لها في الفكر والتوجه في دول الخليج، حتى منها الشيعية التي تهاونت كثيراً في غرس استحقاقات الدولة على حساب تنامي استحقاقات المرجعية الدينية، والتأكيد على سيادة الدولة في وعي ومدارك شبابهم وشبيبتهم، والعناية بالمراجعة وخطورة استمرار النهج السابق على الأمن الوطني وعلى الأمن الدولي كذلك.

وحده هذا «التيار» البحريني الذي ممكن أن يجد آذناً صاغية من مثيله في دول الخليج فيعي المنتمون والمتعاطفون مع فكرهم ومنهجهم من أبناء الخليج المتغيرات الدولية والوطنية، وينتبه مثلما انتبه «التيار» البحريني إلى ضرورة وحتمية الرضوخ والاستسلام التام لاستحقاقات «الدولة» كغيرهم من المواطنين، فلا مرجعية غير الدستور ولا امتداد خارج الحدود السيادية لأي دولة، وجعل تلك الثوابت أولوية على أية استحقاقات أخرى لجماعة ما أو لتيار ما، ومثلهم «تيار» جماعة الولي الفقيه.

فدولنا الخليجية أحوج ما تكون لسواعد أبنائها لا نريد خسارتهم وضياعهم وراء سراب دولة المرشد الأعلى أو المرشد العام، أو أن نرى مطاردات لهم من تحالفات دولية الآن في حربها على الإرهاب، خاصة ومواقفهم الوطنية إبان الأزمة تشهد لهم.

وحسناً فعلت جمعيتا المنبر والإصلاح بتأكيدهما على نفي المحظور الذي يتعارض معارضة تامة مع الاستحقاق الوطني وبه ترتكب الخيانة العظمى بأن أكدت الجمعيتان أنه «ليس لها علاقة من قريب أو بعيد بأية مرجعيات أو جهات خارجية» فعدا عن التبعات الخطيرة على الأمن الوطني بالانتماءات الحزبية الممتدة خارج الأوطان بالخضوع لمرجعيات أجنبية، فإن لتلك الامتدادات الآن خطورة على الأمن الدولي، وهذا متغير جديد يؤسس لمرحلة جديدة لم يكن موجوداً قبل عدة أشهر، أعلنت مملكة البحرين ومعها السعودية والإمارات ومصر أنها ستتصدى لمكافحة الإرهاب، إذ باتت محاربة الجماعات العابرة للقارات هماً دولياً لا محلياً فحسب في الآونة الأخيرة، لهذا فإن النصيحة والعمل واجب الآن لنصح الشباب ومراجعة الأدبيات التي دأبت تلك التيارات على نشرها في عقول المتعاطفين معها والتي تذيب الحدود السيادية بين الدول وتجعل من إطار «التيار» جامعاً لأبنائها عوضاً عن إطار «الدولة» أصبح ضرورياً لا في البحرين فحسب بل في كل الدول العربية.

نتمنى أن تتحرك الجمعيتان على المستوى الوطني والمستوى الخليجي خاصة لحمل مبادرة إنقاذ شبابنا الخليجي وتنبيهه من شيعة ومن سنة إلى أن التدين والوسطية والاعتدال لا يتعارضان مع استحقاقات الدولة والالتزام بدستورها وبقوانينها وبالتزامات أمنها.

نتمنى أن تبادر الجمعيتان إلى التواصل مع امتداد هذا التيار خليجياً لتعزيز موقف مملكة البحرين من مشروعية الإجراءات التي اتخذتها مع المملكة العربية السعودية والإمارات تجاه قطر، خاصة والأدلة والبراهين على ما اقترفته القيادة في قطر واضحة وضوح الشمس بلا لبس أو التباس، وما ذلك إلا لأن التيارات المشابهة من أبناء الخليج يتعاطفون مع امتدادهم تعاطف المتعصب «لتياره» والمتعصب مع قطر كحاضنة لذلك التيار وراعية له لا التعصب للحق وقد حصحص.

لا مجال الآن لما يسمى الصمت اتقاء للفتنة فذلك سلوك لا تسمية له سوى التقية، وطنك اليوم يناديك فلا تتذرع بذرائع ما أنزل الله بها من سلطان، والبيان الذي أصدرته الجمعيتان فاتحة خير وطنية بحرينية، يعزز استقلالية البحرينيين من أعضاء هاتين الجمعيتين ويقطع الصلة بينهم مع أية جماعات تدين لمرجعيات غير دساتيرها الوطنية، ولربما تكون فاتحة خير يبنى عليها وتتطلب إثباتها بالمواقف لا بالبيانات فحسب، فتنتقل من البحرين إلى جميع دولنا الخليجية كي نحمي أبناءنا ونعزز لديهم قيم المواطنة واستحقاقات «الدولة» لا استحقاقات التيار.

لا نريد أن تضيعوا منا وطنكم أولى بكم، ونشد على أياديكم في إصدار البيان الذي جاء في وقته وأوانه، والآن جاء دوركم للمبادرة لحفظ خليجنا العربي بدعوة التيار في دولنا الخليجية أن يتعلموا منكم.