بحسب رسالة نصية وصلتني من أحد النواب، أن اللجنة المالية بمجلس النواب توافقت مع الحكومة يوم أمس على «عدم المساس» بمكتسبات المواطنين التي تشمل جميع العلاوات والمساعدات والضمان الاجتماعي.

البعض، ومن ضمنهم كثير من النواب، سيرون أن هذا «التوافق» بشأن «عدم المساس» بالمواطن، هو «إنجاز» بحد ذاته، وأن على المواطن تقديم الشكر لهم والثناء على جهودهم، وهذه رؤية «خاطئة» تماماً.

نعم، أن تحافظوا على حقوق المواطنين ومكتسباتهم من أن تمس وأن يتم وقفها أو تقليلها أمر طيب، لكن ما يسبق ذلك كله التساؤل بشأن «كيف وصلنا لمرحلة نرى فيها مساومة على مكتسبات المواطن»؟!

اليوم بات سيناريو تمرير الميزانية واضحاً ويستوعبه أي مواطن مهما كان بسيطاً في نظرته التحليلية للأمور، إذ بات أمراً محسوماً أن أية مطالب سواء يتحدث بها الناس أو يتقدم بها النواب بشأن رفع رواتب أو زيادة مساعدات وعلاوات وغيرها التي تدخل تحت خانة «رفع موازنة» في هذه المجالات، كل هذه المطالب «انتهت» و«ولى زمانها»، إذ الذريعة الحاسمة موجودة وينطق بها أي مسؤول دون تحرج، مفادها الوضع المالي والدين العام وترنح أسعار النفط وغيرها.

في السابق كانت تحسب الحسبة وتعد العدة من قبل الأجهزة المعنية بالتخطيط المالي في الدولة حينما يناقش موضوع الميزانية، وكيف تصاغ الردود وكيف توضع التدابير التي «تصد» أية محاولة نيابية لرفع الرواتب أو تعديل الأوضاع، لكن اليوم الإجابة جاهزة قبل أن ينطق أي نائب.

بل الوضع بات أخطر، لأن الحديث تعدى مسألة زيادة المكتسبات، ووصل لمرحلة «تركيز العين» برغبة «وضع اليد» على المكتسبات التي تحققت للناس، تحت مسوغ أن المواطن عليه «تحمل المسؤولية»، وكأن المواطن هو الذي خطط مالياً وهو الذي «أهدر» بحسب ما يفيدنا به تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية الأخير وما سبقه من أشقائه المركونين «على الرف» أو في «بطن الأدراج».

صار المواطن بدل توقع الحصول على مزيد من المكتسبات التي تتوافق مع مطالبه، صار يتوجس خيفة أن يؤخذ من جيبه، ويضيق عليه في رزقه، خاصة وأن بعض المسؤولين يوحي لك بشكل صريح وواضح أنه يعتبر «جيب المواطن» أحد أكبر الحلول، وأنه لا بد للمواطن «أن يدفع الثمن» لكونه مواطناً، وهذا إخلال في تحمل المسؤولية، بل هروب منها.

وصل مجلس النواب للجوء إلى احتياطي الأجيال ليقترض منه، ورغم ذلك مازالت «النوتة» تتردد وتصول وتجول بالقرب من مكتسبات الناس، رغم أن هناك معالجات -يفترض أنها معالجات تمت- بحجة وضع حلول للدين العام، مثل رفع الدعم وزيادة سعر المحروقات، ورفع رسوم بعض الخدمات، وطبعاً في القادم من الشهور إقرار الضريبة على السلع، والخوف بعدها من فرض ضريبة على الدخل، وإن لم يعلن عن ذلك حتى اليوم، لكن هناك إحساس بأن هناك من يفكر فيها من المسؤولين. كل هذه المعالجات لم نعرف بعد مدى تأثيرها، إلا تأثيرها على الناس، لا الدين العام!

نلجأ للمواطن ونرى في «جيبه» وفي مكتسباته الحل، رغم أن المواطن ليس سبباً في العجز المالي، ولا الهدر الموثق في تقارير الرقابة، ليس سبباً في الأموال التي تصرف على فعاليات وسفرات وكثير من الأمور الكمالية لا الضرورية الحتمية.

كل هذه المؤشرات تجعلنا نعيد تكرار السؤال للمرة المائة، ماذا فعلتم لتقليل العجز المالي والحفاظ على استقرار الميزان الاقتصادي للبلد؟!

كل ما نراه ونقرؤه بأن الدين العام زاد، وأن هناك نية لمزيد من الاقتراض، في المقابل نتحدث عن التقشف فنراه لا يطال كبار الموظفين، نرى ديوان الرقابة يوثق في تقاريره مزيداً من الهدر، فنبحث عن التقشف وخفض النفقات وهل هي حقيقة أم خرافة، وأكبر الكوارث حينما تتحول عملية «منع» المساس بمكتسبات المواطن وحقوقه إلى «إنجاز»، يتوقع أصحابه أن يمطرهم الناس بوابل من الشكر والامتنان.

تعطيل المحاسبة، وضعف الرقابة، وعدم محاسبة المسؤولين، كلها أمور أدت بنا لنتائج غير حميدة، يكون المواطن في أولها وآخرها أكبر المتضررين، بل قد يكون المتضرر الوحيد.

إن كانت من إجراءات جريئة، فإنها تكمن في حل المشكلة من جذورها، وبيان المسؤولين عن الهدر ومحاسبتهم، وكشف حقيقة خفض النفقات وترشيدها بالأرقام المفصلة، والبعد عن «جيب» المواطن و«مكتسباته»، بل عدم الحديث عنها بكل «قوة عين» هكذا.