هو سؤال هام تتوجب الإجابة عنه، بالأخص من قبل أصحاب الكفاءات والمؤهلات والمخلصين لبلدهم: هل تحب الذهاب إلى عملك أو تكرهه؟!

السطور أدناه تحمل نموذجاً لإجابة، تمعنوا فيها، إذ يتفق فيها كثيرون:

في مكان عملي الناس تكره الذهاب إلى العمل، بل وتتعمد التأخر عن الذهاب مبكراً لتفادي الكلام المحبط والتجريح والإهانات التي يتذوقون مرارتها يومياً، وهذا هو جزء من سياسة التدمير التي انتهجوها.

بعض الموظفين الذين خدموا في وزارات المملكة وكبروا في السن لا يستطيعون تجرع هذه الإهانات، وغيرهم يمرضون بأمراض ليست عضوية وذلك بسبب ما توصل إليه مسؤوله أو مديره من طرق لأذيته نفسياً ومعنوياً.

وعليه ترى كل موظف متملق وكذاب وسارق لكل فكرة أصيلة هو من يضحك ويفرح بإنجازاته الملفقة - بمساعدة يد فوقه عاونته على ذلك لتحقيق مكاسب مادية شخصية ليس لها أي عائد يذكر على المؤسسة أو الإدارة.

المشكلة أن لا منصب يدوم ولكن الذكرى تدوم. فكم من مسؤول عانى بعد تقاعده ولم يترك له إلا سمعة كريهة له ولعائلته من بعده.

ويطول الكلام ولكن هذا فقط جزء بسيط أردت ذكره وأنا على علم بأنك أيها الأستاذ العزيز على دراية بواقع مرير قد يعود على مملكتنا بالكساد في بعض إدارات ومؤسسات مملكتنا الحبيبة.

الإنصاف شيء شبه مفقود والخوف عام على أغلب الموظفين المبدعين فلا إبداع في خوف ولا عطاء.

هل تستحق البحرين منا هذا؟ والسؤال هو أين ذهبت طباع البحرينيين الأصيلين المعروفين بطيب الأخلاق ومحبة الغير و«السنع» في كل معاملة.

حسن الخلق دين قبل أن يكون للدنيا والكلمة الطيبة صدقة. فكلمة بسيطة شكراً على انجازك تملأ قلب بالفرح وتمد الشخص بقوة لعطاء أكبر.

لم أرد الإطالة وأشكرك شكراً جزيلاً على كلماتك الملامسة للواقع ووقتك الثمين. وأتمنى أن توصل كلمة في الخاطر.

إلى هنا انتهت سطور نشرتها من رسالة طويلة وصلتني بالأمس من جملة رسائل بعثها لي بحرينيون محبون لبلادهم، لكنهم يعانون من «الحرب على الكفاءات» التي يشنها بعض المسؤولين، الذين انشغلوا عن «تطوير» قطاعاتهم وركزوا في «تدمير» كفاءات الوطن، وصناعة «بيئة طاردة» لكثيرين آثروا الخروج والرحيل، والسبب أن مقاومة هذا الفساد الإداري «صعب» جداً، إن كان خصمك هو صاحب السلطة، هو المفترض أن يحمي القطاع وكفاءاته، لكنه يحاربها بمساعدة زمرة متمصلحين وجوقة تطبيل وحاشية سيئة.

هل تحب الذهاب إلى عملك؟ أم تكره مجرد فكرة النهوض صباحاً والتوجه إليه؟!

قبل الإجابة، عليك أن تعرف تصنيف نفسك، فإن كنت صاحب مؤهلات وشخصاً يمتلك ضميراً وحساً وطنياً، وهدفك خدمة هذا الوطن، والمساهمة بقوة في «المشروع الإصلاحي» لجلالة الملك حفظه الله، وتمثلت إجابتك بـ«نعم»، أكره الذهاب إلى عملي. هنا سأجزم بأنك ترى في موقع عملك «كوارث» و«ممارسات» لا يجب أن يقبل باستمرارها في «زمن الإصلاح» الذي يقوده الملك حمد، ولا في زمن «دعم الكفاءات وتمكينها» الذي يحرص عليه صاحب السمو الأمير سلمان بن حمد حفظه الله.

هناك مقولة إدارية رائعة خالدة تقول: «اذهب إلى عملك، وكأنك ذاهب إلى موعد غرامي»، في إشارة لضرورة وجود رابط الحب بينك وبين عملك. لكن للأسف كثيرون يعجزون عن ذلك، لا لخلل فيهم، بل لأن الحب أبدل بالكره بسبب ممارسات خاطئة وظلم حول موقع العمل لبيئة طاردة. هناك في المقابل كفاءات تحب أعمالها وتذهب لها بكل نفس منفتحة وتبدع وتعمل، وتبذل قصارى جهدها، وهنا السبب لا ينحصر في كونها كفاءات لديها روح إيجابية لا تتأثر حتى وإن أحاطت الأجواء السلبية بها، لأن الواقع يقول، إن الأجواء المثبطة إن زادت كثافتها فإن كل شيء جميل يموت، وكل كفاءة تقتل، بالتالي السبب الرئيس يتمثل بـ«القيادة الصالحة» و«الإدارة النظيفة».

البيئات الطاردة يصنعها المسؤولون عنها إن هم انحرفت بوصلتهم، وضاعت مبادئ العمل بسبب ضعف النفس البشرية، فينسون المهمة الأساسية وينشغلون بأمور أخرى تخدم شخوصهم وتحقق لهم المكاسب، وحينما يكون الوسط مهيئاً لعملية «إفساد» المسؤول وإن كان نزيهاً نظيفاً، من خلال وجود مغريات سهلة المنال، ووجود جوقة فاسدة وعناصر غير كفؤة لا تبرع في العمل بقدر ما تبرع في التملق وإيغار صدر المسؤول على الكفاءات، ويكون المسؤول «سهلاً» بحيث ينحرف ويضرب بالمبادئ عرض الحائط، هنا الكفاءات تدخل أطوار معاناة لا تنتهي، إن صمد بعضهم فهو يذوب ويذوي، وإن قرر بعضهم حسم أمره، فلا شيء أمامه سوى الرحيل. ما أتمناه أن نصل يوماً لنرى المسؤول الفاسد إدارياً، الفاشل عملياً، هو الذي يغادر موقع العمل ومعه زمرته المتمصلحة منه، وتبقى كفاءاتنا وتثبت أرجلها في القطاعات، وتوكل لها المهام وتمنح الثقة، إذ لا نهضة قامت، ولا عملية إصلاح تحققت، إلا عبر المصلحين من أهل الكفاءة والخبرة والأهم من المخلصين بلادهم وقيادتهم، أما استمرار المفسدين غير المنتجين الباحثين عن مصلحتهم الشخصية ووضعها فوق مصلحة الوطن، فهو السبب في تحويل مواقع العمل إلى «بيئات طاردة» للكفاءات، والنتيجة مزيد من الانغماس في الفشل والتخبطات، ودافع الثمن في النهاية هو الوطن.