في نفس هذه الفترة من كل عام، نعيد تشغيل الأسطوانة التي يبدو أنها من فرط ملل المسؤولين من سماعها، بات لا أحد يعيرها بال. الأسطوانة التي تقول بأنه قريباً سيصدر تقرير جديد لديوان الرقابة المالية والإدارية.

تقرير جديد يصدر لينضم إلى جوار أشقائه السابقين، والذين غالبيتهم العظمى تم نشر مقتطفات منهم في الصحافة، وبعض هذه المقتطفات «أرعد وأزبد» بشأنها بعض النواب «صوتياً» فقط، ومن ثم تنتهي المسألة و»يا دار ما دخلك شر».

كتبنا كثيراً وقلنا بأن أغلقوا الديوان -مجازاً طبعاً- لأن عمله وجهوده المتواصلة في رصد المخالفات والتدقيق في كافة القطاعات، تذهب هباءً لأن لا إجراءات قوية تتخذ، وحين نقول قوية نحن نعني «الضرب بيد من حديد» على يد المفسدين إدارياً والمستهترين مالياً.

حتى أنني وصلت لمرحلة أبعد وقلت في إحدى السنوات السابقة، ولعلها كانت في 2012، بأن علينا القبض على رئيس ديوان الرقابة السيد حسن الجلاهمة، لا لأنه يرتكب تجاوزات وأخطاء، بل حاشاه على العكس، هو رجل وطني مخلص متفان، لكن خروجه بتقرير يتضخم عاماً عن عام دون أن تكون هناك إجراءات ردع بأسلوب «الحزم والحسم»، تحول التقارير إلى أدوات تحرجنا في عملية محاربة الفساد والشفافية والرقابة وفي وضع حد للمفسدين، بالتالي الجلاهمة رجل «يفضح الفساد»، لكننا بحاجة لمن «يقطع دابر الفساد».

لكنني أمتلك ثقة كبيرة في قيادتنا، ثقة في سمو ولي العهد حفظه، وأن هذا الرجل المتطلع للمستقبل بقوة، رافض كل ما من شأنه تعطيل مسيرة الإصلاح والتنمية، واقف بقوة لكل من يحاول عبر عمل منقوص أو إخلال للثقة، يحاول تضييع مكتسبات المشروع الإصلاحي لجلالة الملك.

لكن حديثي هنا لديوان الرقابة المالية والإدارية، ولست أهمس هنا، بل أصرخ وأقول: يا ديوان الرقابة.. هل تسمعني؟!

لا تسمعوني في شأن المال العام والهدر الحاصل، لأنكم أصلاً توثقونه بكل دقة، وتحرصون على بيانه ورفعه لأصحاب القرار، لكنني سأطلب منكم أن تسمعوني، ولست وحدي، إذ هناك سواد كبير من المواطنين والموظفين المخلصين للبلاد وقيادتها، يريدون أن تسمعوهم فيما يتعلق بـ»الفساد الإداري».

أنا أقول دائماً بأن الفساد الإداري أخطر من المالي بكثير، لسبب بسيط جداً يتمثل بأنه لم يوجد فساد إداري إلا لما وجد الفساد المالي بالأساس، فالإدارة السيئة هي التي توصل لمرحلة اللعب في المال العام والتعدي عليه وهدره بل وازع أو ضمير.

لكنني أقول إن الفساد الإداري في قطاعات معينة قد استشرى بشكل بشع، ولذلك كثيراً ما نكتب عنه، فمعركتنا الداخلية ليست سياسية على الإطلاق، معاركنا الخارجية هي كذلك، وكلنا يعلم بأن المخلصين لن يترددوا وأقلامنا لن تتأخر عن الدفاع عن بلادنا ضد كل آثم معتدي. لكن معركتنا الداخلية اليوم لابد وأن تكون ضد «الآفة» التي تهاجم المشروع الإصلاحي وتعمل على خلق صورة نمطية سلبية عنه، ما نراه إساءة واضحة لقيادتنا، وهو ما نرفضه قطعيا بل نضرب بيد من حديد على كل متطاول ومسيء لبلادنا وقيادتنا.

معركتنا الداخلية لابد وأن تكون ضد الفساد الإداري وضد المفسدين، وضد من يحولون القطاعات لممتلكات خاصة، ومن «يطغون» من على كراسيهم ليحولوا الناس إلى «عبيد» لهم، والناس مكرمون عن هكذا وصف وتمثل، ومن يحطمون الكفاءات، ومن باتوا «عديمي إحساس» بل «ميته» حينما تتطرق تقارير ديوان الرقابة لتجاوزاتهم.

هل يمكن لديوان الرقابة أن يسمعنا هنا، ويفيدنا بإمكانية إضافة مهمة على مهامه، تضاف إلى عمليات التدقيق الإداري والمالي، وأعني بها عملية التدقيق على الملاحظات الإدارية التي يدلي بها الموظفون في القطاعات، خاصة ممن يرون التجاوزات بأعينهم، ممن يرون المحاباة والشللية في جهة، ويرون الحرب على الكفاءات في جهة أخرى؟!

أقول هل يمكن، مع قناعتي بأنه يمكن، لأن هذا يدخل في إطار التدقيق على الإجراءات الإدارية، يضاف إليه أن البحرين كدولة تدعو الناس لمحاربة الفساد عبر الخط الساخن «نزاهة» مع توفر الأدلة والبراهين، وهنا المسألة أسهل على الديوان حينما يشير الموظفون لوجود فساد في قطاع ما، وبعملية تدقيق سريعة يمكن التأكد من أقوالهم، فالأرقام لا تكذب.

نرجوكم، حاربوا الفساد من منابعه، فالمسؤول الذي لا يخشى الله ولا يتمثل بتوجيهات ملكه وقيادته، ولا يكون أهلاً للثقة، ويحارب توجه الدولة ويمارس تحطيم الكفاءات وخنقها، ما هو إلا «نبتة شريرة» في أرض البحرين الطيبة، لا حل لها إلا الاجتثاث من الجذور.

نكتب حبا للبحرين التي نفدي ترابها، وولاء لملكنا الشهم العزيز الذي تقف بقوة قلباً وقالباً معه ومع مشروعه الإصلاحي الرائع.