يا أرض دوري وجرّي معك عجلة الزمان، يا أرض دوري لتتعاقب عليك السنون والأيام، يا أرض دوري لتتوالى عليك أجيال وأجيال، كل جيل يسطر صفحات في كتاب تاريخ الزمان، كتاب تتنوع صفحاته، وتتلون كلماته، وتعج سطوره بأحداث وأحداث فأجيال تصوغ صفحات بيضاء تنير درب من يلحقهم، ويهز رأسه إعجاباً من يقرأها، وأجيال تضيف صفحات سوداء يسخر منها أسلافهم ويعيب عليهم أفعالهم، وأجيال تمر على كتاب التاريخ لا تضيف خيراً ولا شراً ولكأنها مجرد عابر سبيل لم يضف للبشرية سطراً ولا شطراً، تلك هي سنة الله في خلقه.

فيا ترى ماذا سطرنا في هذا الكتاب، ماذا سيقرأ عنا من سيخلفنا من الأجيال، أتراهم سيعتزون بنا أم أنهم سيقلبون الصفحات التي صغناها وربما يمزقوننا خجلاً مما اقترفته أيدينا، فدعونا نصوغ صفحات مضيئة، دعونا نقف وقفة تأمل نقيم ما أنجزنا ونخطط لإضافة صفحات جديدة.

أبناء قومي دعونا نقف وقفة تأمل في كل عام نسترجع ما أنجزنا ونخطط لما سننجز، فليكن اليوم الوطني هو اليوم الذي نقف فيه هذه الوقفة، ولم لا، فاليوم الوطني يوم نجتمع فيه حول مائدة الفرح، نتحلق حولها ونسترجع معا أجمل الذكريات ونسعد بأمن وطننا وما يغدقه علينا من الخير فنحمد المولى على نعمته وندعو الله أن يحفظ هذا الوطن، وندعو الله أن يجمع قلوبنا على حبه، نعيش في ظله متحابين متماسكين، ونستعيذ بالله من أن تدب بيننا الخلافات والأحقاد فنغتال بأيدينا أوطاننا، فدعونا نتأمل ماذا أعطينا لهذا الوطن وماذا سنعطي. علينا أن نمد يد العطاء لهذا الوطن لنعيش في كنفه أعزاء أقوياء، فلا عزة لقوم استهانوا بأوطانهم.

فالعطاء للوطن يأتي في صور متعددة، عطاؤنا لوطننا بأن نتماسك ونتعايش ونقبل على بعضنا البعض بالرغم من اختلاف ثقافاتنا، ونحب بعضنا البعض فلا تعصب ولا تعنت، فجميعنا نستظل بسماء واحدة وتجمعنا أرض واحدة، عطاؤنا لوطننا بأن نلتزم بعاداتنا وتقاليدنا وموروثاتنا وأن نحافظ على تاريخ هذا الوطن فنعتز به ونفخر به، عطاؤنا لوطننا يكون من خلال رسم صورة مشرفة له أمام الشعوب وباقي الأمم وأن نرسم صورة مشرفة عن وطننا في كتاب التاريخ، وعن مدى رقي مجتمعنا، فها هو أمير الشعراء يوجز هذا القول في أبيات خُلدت في كتاب الشعر حيث قال:

إذا عظّم البلاد بنوها

أنزلتهم منازل الإجلال

توّجت مهامهم كما توجوها

بكريم من الثناء وغال

عطاؤنا لوطننا يكون باجتهادنا للنهوض بمستوى التقدم والرقي لمجتمعنا، فنحرص على تعميره وبنائه لننافس باقي الدول، فهذا ليس أمراً محالاً، فهناك شباب قد عمروا أرضهم بدافع الحب فاستطاعوا أن ينهضوا بأوطانهم من حالة الفقر والدمار لتكون على رأس قائمة الدول المتقدمة، وهناك شباب بنو حضارات في زمن قياسي، ألا يستحق منا وطننا أن نفعل مثلهم، عطاؤنا لوطننا يكون بالحفاظ على مكتسباته، والحفاظ على المرافق العامة والحرص على نظافتها، والالتزام بالقوانين والتشريعات، عطاؤنا لوطننا من خلال الاجتهاد في طلب العلم والوصول لمستويات علمية ننافس بها باقي الأمم ونقدم الجديد في مجال العلم والمعرفة، فكما قال الشاعر:

بالعلم والمال يبني الناس ملكهم

لم يبنَ ملك على جهل وإقلال

عطاؤنا لوطننا يكون بالمحافظة على الصحة العامة، وحماية أبناء وطننا من الأمراض والأوبئة، عطاؤنا لوطننا يكون بتنشئة أبناء الوطن ليكونوا مواطنين صالحين قادرين على العطاء مبدعين مجددين. عطاؤنا بأن نبني مشاريع تنموية تصمد وتستمر ليستفيد منها من بعدنا من الأجيال، فيرثوا منا ما يعينهم على الاستمرار والمضي في درب التقدم.

هكذا يكون الوطن عزيزاً شامخاً بعطائنا، نعيش في كنفه أقوياء أعزاء،هكذا يكون الوطن مصدر كرامتنا ورفعتنا وهو حضن واستقرار وسياج وأمان لنا، عندها لن يكون الوطن كلمات نتغني بها وننضد الشعر عقداً له، عندها نكون قد أضفنا صفحات مضيئة في تاريخ الأمم تعتز بها الأجيال القادمة. ودمت يا وطني عزيزاً شامخاً.