أعجبتني إشارة جلالة الملك لمئوية الإنجاز فهي تسلط الضوء على أحد مصادر الشرعية التاريخية للحكم ومعها تلفت الانتباه إلى ذلك الالتفاف الشعبي حول الحكم حتى بني هذا الوطن وعلت إنجازاته.

نحن لا نتحدث عن دولة حديثة تأسست بعد الاستقلال، نحن نتحدث عن دولة عميقة جذورها ممتدة إلى مئات السنين، فعلى الذي فكر ودبر ثم قتل كيف فكر أن ينقلب على الدستور البحريني ويخون عهده، ألاّ ينسى أن 243 عاماً من الحكم الخليفي للبحرين بدأت ببيعة الشعب لأحمد آل خليفة ومازالت تلك البيعة في رقبة الشعب تتجدد كل عام إلى أن وصلنا إلى عام 2011، ليتذكر بعدها أن الذي دافع عن تلك البيعة هم الشعب البحريني ملتفاً على قيادته وتمسك بعهده، ليعرف أن من سيواجهه في حال سولت له نفسه هم ذلك الشعب قبل أن يواجه الحكم.

البناء وحده طريق التصحيح والتقويم والتطوير، واستقرار الدول عامل من عوامل التطوير، انتهى عهد «التصفير» الذي تهدم فيه المجتمعات بناء ما تأخر وتبدأ من الصفر، ذلك ما قامت عليه أغلب (الثورات) العربية التي تبحث مجتمعاتها عن الإصلاح والتطوير والعدالة والمساواة فتقوم بهدم تاريخها وبنائها وتسوّي إنجازاتها التاريخية بالأرض فتحرقها وتنسف ما قبلها كي تبدأ من جديد!!

التطور الحضاري الإنساني عالج مسائل التغيير والتعديل بعقود اجتماعية تحمل في طياتها الضوابط الدستورية التي تبقي على الإنجاز وتبني عليه، على هذا تعاهدنا، وعليه صوتنا لميثاقنا، ولهذا تصدينا، ووقفنا عام 2011 لمن أراد أن يصفر البناء ويسوّيه بالأرض.

لا يمكن أن أطور التعليم وأنهض به إلا بالبناء على ما تقدم من إنجاز مئوي ودون أن أثبت وأذكر أنا وأذكر غيري ببدايات التعليم في البحرين وكيف تضافرت جهود الأهالي مع جهود أفراد من أسرة الحكم لبناء أول مدرسة للتعليم النظامي، كما لا يمكن أن أتحدث عن البحرين في المحافل الدولية على أنها من أفضل البيئات المجتمعية للتسامح والتعايش بين أصحاب الديانات دون أن أذكر من منح الترخيص لأول كنيسة في منطقة الخليج العربي وكيف امتدت المظلة الخليفية لمن لجأ لها من يهود ومسيحيين وبهرة وبهائيين وغيرهم قبل أكثر من مائة عام، ولا يمكن أن أتحدث عن البيئة الاستثمارية البحرينية المنفتحة على العالم وأشير إلى مرفأ البحرين المالي دون أن أذكر الناس بفرضة المنامة (كان من المفروض أن أحتفظ بشكلها التاريخي كشاهد على التاريخ).

لا يمكن أن أفتتح التوسعة الجديدة في مطار البحرين دون أن أعرض أول طائرة حطت على أرض المحرق.. وهكذا في الصحة وفي النظام الجمركي وفي البلديات وتاريخها الذي يقارب المائة عام؛ حيث كانت بلدية المنامة من أُوَلِ البلديات المنظمة قانوناً وتأسست عام 1919، وهذا يقودنا لقدم التشريع وقدم المؤسسات الحكومية في وقت لم تكن المنطقة تعرف معنى «المؤسسة» بمفهومها الإداري.

هذا بناء ما كانت قواعده لتتأسس في تلك الحقبة القديمة والمعيشة ضنكٌ والأمراض والأوبئة وشح الموارد تفتك بالإنسان، لولا نظام حكم مستقر منفتح على التطوير لديه بعد نظر، حفر الأرض واستنهض الإنسان وخرجت من البحرين رائدة للتنوير والثقافة والعلم وللبيئة الصحية، كي يقول عنها أهل الخليج إن شوارعها ذهب، ولذلك نحن لا نحتفل بإنجازتنا في زمن الطفرة فحسب، بل نحتفل بمئويات إنجازاتنا ولهذا نتمسك بالبيعة، ونتعهد بالبناء على ما تقدم منها.

أدام الله عزك يا بحرين.