لأكثر من أربع سنوات مضت وأنا أبحث عن جامعة أو مركز تدريب أو مؤسسة عسكرية تعليمية تدرس مقررات في مجال الدراسات الاستخباراتية وفنون التفكير الاستخباراتي وطرق الحصول على المعلومات السرية وسبر أغوار الحقائق بعقلية متخصصة، وكنت أرمي من ذلك أن أكون على مستوى أعلى من القدرة في التحليل السياسي والحصول على معلومات جديدة أسهم من خلال كتاباتي الصحفية والدراسات العلمية برفد صانع القرار السياسي ومن يعاونه ببعض الجهود الخاصة في هذا المجال وتحليلاتها، بما يجعل التوصيات والمقترحات المقدمة أكثر عمقاً وفهماً ودقة، فالقراءة الواضحة للأمور لا شك أنها تفضي لمقترحات ناجعة وحلول حقيقية مناسبة.للأسف لم أجد ما أبحث عنه وخصوصاً في البحرين، رغم أن كليات القيادة والأركان الخليجية توفر هذا النوع من التدريبات والمقررات لمنتسبي القطاع العسكري وربما في بعض الدول لبعض كبار المسؤولين الحكوميين بدرجات محددة، في تغاضٍ تام عن أهمية إكساب النخب الثقافية من الإعلاميين والكتاب والباحثين بهذا النوع من العلم والوعي، على الرغم من أن تجارب في بعض الدول المتطورة قد أثبتت نجاحها في هذا السياق، لتكشف بعض الدراسات عن قرابة 840 مقراً لدراسة الاستخبارات في الولايات المتحدة تتوزع على أكثر من 100 مؤسسة تعليمية مدنية، وكذلك في بريطانيا وفرنسا وإسبانيا، كما أن هذه الدول وأخرى من دول العالم المتقدم قد حرصت على إنشاء مراكز لدراسة الاستخبارات، كالذي يتبع «CIA» وجامعة الاستخبارات الوطنية بالولايات المتحدة. مع العلم أن أغلب هذه المقررات لا تستهدف العسكر وكبار المسؤولين وحسب، وإنما شريحة واسعة من المدنيين لا سيما الدارسين في مجالات العلوم السياسية والتاريخ وما شاكلهما، ما يجعل من الأهمية في دول الخليج العربي الالتفات لتطبيقات مماثلة تشمل استهداف النخب الثقافية الفاعلة من التخصصات المختلفة.* اختلاج النبض:إن توجه العالم نحو تدريس علم الاستخبارات للنخب لم يأتِ من فراغ، بل كان تحوطاً بغاية الأهمية للأمن المعلوماتي للدول، وبعدما أصبح الخليج العربي مركز اهتمام كثير من المؤسسات الاستخباراتية إقليمياً ودولياً في ظل ما يحيط به من ظروف شائكة، وانفتاح النخب الثقافية الخليجية على عالم المؤتمرات واللقاءات الثقافية الخارجية، أصبح بالضرورة تحصين أهل الفكر بالوعي الاستخباراتي لكي لا يقعوا ضحية أفراد ومؤسسات استخباراتية تدفعهم لتسريب معلومات أو الإدلاء بتحليلات وطنية خاصة على سبيل الاستعراض المعلوماتي والتبادل المعرفي بحسن نية. إن استمرار المشاركة في عالم المؤتمرات قد تكسب البعض القليل من الوعي والمهارات في التمييز بين المحادثات والأسئلة الثقافية العادية وتلك الاستخباراتية والتعامل معها، ولكن الخبرات الشخصية المتراكمة ليست كافية ما لم تكن مدعومة بأسس علمية متينة وتدريبات محكمة.