بعد أن تعرضنا في المقالين الأول والثاني لفلسفات الفكر الإرهابي أو أيديولوجيا الإرهاب، واستطعنا استنباط إلى أي مدى تؤسس جميع هذه الفلسفات لصراع ما بين أفراد الجماعات الإرهابية وما بين المجتمعات ووجدنا أن الإصدار الأول لفكرة تجديد الفكر والخطاب الديني له جذور تاريخية كانت رد فعل على التحدي الاستعماري الغربي ومناهضة لهيمنته الثقافية إلا أن مشروع التجديد هذا اقتصر على النخبة ولم يتحول إلى عمل مؤسسي، وهو ما أثر سلباً على المحاولات الإصلاحية لهذا العصر، وهو ما قاد إلى خفوته مع مرور الزمن، ورأينا أن محاولات التجديد قد أعيدت مرة أخرى مع أحداث 11 سبتمبر، والتي صنفت غربياً على أنها «إرهاباً إسلامياً» مما استدعى معها إعادة تعالي الأصوات المنددة بالراديكالية الفكرية والمطالبة بإحياء فكرة تجديد الفكر الديني ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف أثرت أحداث 11 سبتمبر على قضية تجديد الخطاب الديني؟ وما هو موقف علماء المسلمين؟
مما لا يدع مجالاً للشك أن الأحداث المتلاحقة منذ أحداث 2001، مروراً بالحرب على أفغانستان في 2001، فتفكيك العراق في 2003، ووصولاً إلى الدعم الأمريكي لما سمي بـ»الربيع العربي» في 2011، كان له أكبر الأثر في تنامي وتوحش الفعل الإرهابي مثلما كان له دور أيضاً في إعادة إحياء فكرة تجديد الخطاب الديني ومحاولة لسد الفجوة بين الغرب والعالم الإسلامي فقط كما في السابق، بل إنها جاءت هذه المرة مدفوعة برغبة داخلية لتبرئة ساحة الإسلام مما نسب له زوراً، وبرغبة وإلحاح خارجي مدفوعة باستهداف تقليص العنف الإرهابي الموجه ضدهم، ومصحوبة بمناداة متطرفة بنسف التراث الديني.
وهو ما كان له تأثيره في تنامي ظاهرة العنف والتطرف، ذلك لأن التطرّف الما بعد حداثي المضاد والمطالبات الغربية بالتجديد اعتبرا من قبل أصحاب الفكر المتطرف هجمة شرسة على الإسلام وأدت إلى استعادة المفهوم الجهادي لـ»سيد قطب» والمتعلق «بالإسلام الأمريكي» كما أثر سلباً على المحاولات الجادة المستنيرة وتجديد الفكر والخطاب الديني بالرغم من أنه هذه المرة أصبح مصحوباً برغبة ودعم حكومي ومؤسسي في كل أنحاء العالمين العربي والإسلامي.
وقد كان لعلماء الأزهر الشريف دور واضح لتخفيف حالة الارتباك هذه من خلال رفض علمائه صراحة فكرة نسف التراث، مطالبين بأن نستفيد من المناهج «أي أسلوب ومنهج التفكير»، وألا نقف عند المسائل المرتبطة بالزمان والمكان مع مراعاة ما أسموه واجب الوقت «ظروف الواقع الذي نعايشه»، مؤكدين أن الأئمة القدامي قاموا بواجب وقتهم أي أنهم أخذوا في اعتبارهم الواقع الذي عاشوا فيه، وبالتالي فإننا في العصر الحديث لو خالفناهم لتغير الزمان وتغير أسلوب تحقيق المصالح والمقاصد ففي المخالفة هنا اتباع لهم، لذا رأوا أهمية احترام التراث والاستفادة منه منهجياً.
أما فكرة تجديد الخطاب الديني، فهناك مساعٍ بدت واضحة في الأفق، سواء من قبل الأزهر الشريف أو الكثير من علماء المسلمين في العالم الإسلامي في العصر الحديث، تحاول جاهدة وضع تصور نحو فكر وخطاب ديني يستطيع أن يتواكب مع واقع العصر ويتفاعل مع ظروفه المتعددة والمتشابكة، ويستطيع أن يجذب أكبر عدد ممكن من الشباب نحوه لبناء وتطوير وتنمية بلدانهم وتعميرها بدلاً من تخريبها، ويستطيع أن يقدم الجوهر الحقيقي للإسلام للعالم والذي يدعو للسلام والعمل والبناء والتطوير والتسامح والتراحم والتواصل الحضاري والإنساني مع الآخر، ويميل بهم بعيداً عن تلك الخطابات الإرهابية الراديكالية المتطرفة التي لا ترى أي إمكانية في فهم رؤى مغايرة لما تراه. لكن ما هو الطريق؟
للحديث بقية..
* أستاذ الإعلام الرقمي المساعد
مما لا يدع مجالاً للشك أن الأحداث المتلاحقة منذ أحداث 2001، مروراً بالحرب على أفغانستان في 2001، فتفكيك العراق في 2003، ووصولاً إلى الدعم الأمريكي لما سمي بـ»الربيع العربي» في 2011، كان له أكبر الأثر في تنامي وتوحش الفعل الإرهابي مثلما كان له دور أيضاً في إعادة إحياء فكرة تجديد الخطاب الديني ومحاولة لسد الفجوة بين الغرب والعالم الإسلامي فقط كما في السابق، بل إنها جاءت هذه المرة مدفوعة برغبة داخلية لتبرئة ساحة الإسلام مما نسب له زوراً، وبرغبة وإلحاح خارجي مدفوعة باستهداف تقليص العنف الإرهابي الموجه ضدهم، ومصحوبة بمناداة متطرفة بنسف التراث الديني.
وهو ما كان له تأثيره في تنامي ظاهرة العنف والتطرف، ذلك لأن التطرّف الما بعد حداثي المضاد والمطالبات الغربية بالتجديد اعتبرا من قبل أصحاب الفكر المتطرف هجمة شرسة على الإسلام وأدت إلى استعادة المفهوم الجهادي لـ»سيد قطب» والمتعلق «بالإسلام الأمريكي» كما أثر سلباً على المحاولات الجادة المستنيرة وتجديد الفكر والخطاب الديني بالرغم من أنه هذه المرة أصبح مصحوباً برغبة ودعم حكومي ومؤسسي في كل أنحاء العالمين العربي والإسلامي.
وقد كان لعلماء الأزهر الشريف دور واضح لتخفيف حالة الارتباك هذه من خلال رفض علمائه صراحة فكرة نسف التراث، مطالبين بأن نستفيد من المناهج «أي أسلوب ومنهج التفكير»، وألا نقف عند المسائل المرتبطة بالزمان والمكان مع مراعاة ما أسموه واجب الوقت «ظروف الواقع الذي نعايشه»، مؤكدين أن الأئمة القدامي قاموا بواجب وقتهم أي أنهم أخذوا في اعتبارهم الواقع الذي عاشوا فيه، وبالتالي فإننا في العصر الحديث لو خالفناهم لتغير الزمان وتغير أسلوب تحقيق المصالح والمقاصد ففي المخالفة هنا اتباع لهم، لذا رأوا أهمية احترام التراث والاستفادة منه منهجياً.
أما فكرة تجديد الخطاب الديني، فهناك مساعٍ بدت واضحة في الأفق، سواء من قبل الأزهر الشريف أو الكثير من علماء المسلمين في العالم الإسلامي في العصر الحديث، تحاول جاهدة وضع تصور نحو فكر وخطاب ديني يستطيع أن يتواكب مع واقع العصر ويتفاعل مع ظروفه المتعددة والمتشابكة، ويستطيع أن يجذب أكبر عدد ممكن من الشباب نحوه لبناء وتطوير وتنمية بلدانهم وتعميرها بدلاً من تخريبها، ويستطيع أن يقدم الجوهر الحقيقي للإسلام للعالم والذي يدعو للسلام والعمل والبناء والتطوير والتسامح والتراحم والتواصل الحضاري والإنساني مع الآخر، ويميل بهم بعيداً عن تلك الخطابات الإرهابية الراديكالية المتطرفة التي لا ترى أي إمكانية في فهم رؤى مغايرة لما تراه. لكن ما هو الطريق؟
للحديث بقية..
* أستاذ الإعلام الرقمي المساعد