عزيزتي المرأة، والمرأة العربية تحديداً.. في يومك العالمي اسمحي لي أن أهمس لك بما لا يريد البعض لك أن تعرفيه. فخلف الصورة النمطية التي رُسمت لك بحرفية كي تكوني، فقط، امرأة مطيعة متمثلة في الزوجة الصالحة والابنة البارة والأخت الوفية، يقف رجل لا يرى فيك سوى مخلوق سُخر له واستؤصل من ضلعه الأعوج ليقوم هو بدوره في تقويمه. فلم تكن شخصية سي السيد التي أبدعها نجيب محفوظ ابتكارا من خيال نافر لكاتب منفصل عن واقعه. بل كان سي السيد الشخصية المهيمنة على المجتمع، والشخصية التي تطورت عبر تاريخ طويل من اضطهاد المرأة لتتهذب قليلاً، ولكن... دون أن تُشفى من الإحساس بالأفضلية الجندرية على المرأة.
تشير الدراسات الإنثربولوجية والآركيولوجية «علم الإنسان وعلم الآثار» إلى أن المعبود الأول للبشرية كان الأنثى. فقد رأى الإنسان الأول في الأنثى رمز «الخَلْق» في عمليات الحمل والولادة والرضاع. لذلك عبَدَ عشتار آلهة الحب والنماء والخصب عند البابليين. وتعددت صور عشتار عند باقي الحضارات العظيمة، وبقي رمز الأنثى الحنون المعطاء هو الرابط بين الآلهة المؤنثة في تلك العصور. تلك السيطرة الأنثوية للمرأة على مجلس الآلهة جعل للمرأة موقعاً متقدماً في المجتمع. فكانت هي ربة الأسرة، وكان الأبناء ينسبون إليها، والقبائل تُسمى باسمها. وكانت سمة الاسم المؤنث هي الطاغية على أسماء الدول والأماكن وحتى الرجال.
ومع تطور البشرية واستقرارها وتعلمها الزراعة وتدجين الحيوان تراجع تصنيف المرأة في المجتمع لصالح الرجل. وتحول موقعها المقدس من كونها الآلهة إلى كونها أم الإله. ومع تأسيس الدول والممالك ورسم الحدود نشأت الحروب واحتاجت البشرية لإله الحرب ليفصل بين البشر، فكان إله الحرب ذكراً لعجز الأنثى عن القيام بهذه المهمة. ومع انتشار الحروب وتفرق البشر بين منتصر ومهزوم وقعت فئة من البشر أسرى حروب فاختار المحاربون قتل الرجال والإبقاء على الأطفال والنساء، وهنا ظهرت «المرأة العبدة» التي يتبادلها الرجال للمتعة والخدمة. شكلت الحروب المصدر الأول للعبودية وتجارة البشر، وكانت المرأة العبد الأول، وصارت العبودية والنخاسة تجارة رائجة، وتحولت المرأة إلى سلعة، وأتيح للرجل ما لم يتح للمرأة بسبب الطبيعة البيولوجية. فتلاشى من المخيال الجمعي للبشر صورة المرأة المعطاء رمز الحياة والخصب والنماء إلى المرأة المسخَّرة لخدمة الرجل ومتعته.
كان ذلك في التصورات الوثنية الأولى للذهنية البشرية.. ثم تسربت من التفسيرات الأسطورية تصورات أكثر خطورة ساهمت في تراجع الوضع الاجتماعي للمرأة. فما يحكى عن دور حواء، متمثلة في الشيطان أو متحالفة معه، في غواية آدم لمعصية الله والأكل من الشجرة المحرمة، وما اخترعته الروايات في أن قابيل اقترف جريمة القتل الأولى في التاريخ حين قتل أخاه هابيل في صراع على الزواج من أخته، كلها روايات كرست صورة المرأة «الخطيئة». ومع انسياق الخيال الذكوري في تصوراته التي لفها كثيراً بالمقدس في الروايات المخترعة عن دور المرأة في غواية الرجل نحو الخطيئة وخصوصاً خطيئة الزنا صارت المرأة هي الرمز الأعلى للخطيئة. ومن هنا تشدد الفكر الاجتماعي الذكوري في علاقته بالمرأة.
تلك الأفكار التاريخية انحدرت وتبلورت وصُهرت في حالة نفسية اجتماعية سُميت كراهية المرأة أو «الميسوجينية»، التي تتمثل في ازدراء المرأة والتعامل معها بعنصرية باعتبارها مخلوقاً أقل رتبة وأدنى في التركيبة العقلية والنفسية والجسدية. وتكونت بموجب «الميسوجينية»، توجهات التمييز التاريخي تجاه المرأة في العمل والمجتمع والأسرة وغيرها. مما استنهض نشاط الجماعات النسوية لتفنيد مركبات المظلومية التاريخية ضد المرأة والمطالبة بحقوق عادلة ومتساوية مع الرجل في مختلف تفاصيل الحياة التي تعقدت والتي تورطت فيها النساء أنفسهن في ازدراء المرأة وممارسة العنصرية تجاهها لمصلحة خضوعهن للرجل.
ولا يمكننا الزعم أن البشرية في رحلتها الطويلة نحو التقدم والتحديث قد تجاوزت هذه الأفكار. فما وقع حاضرا من عودة الاسترقاق عن طريق تجارة الجنس أو تجارة الأعضاء أو عودة نظام العبودية والجواري ليس إلا دليلاً دامغاً على حنين دفين في تضعيف النفوس البشرية لعودة السيطرة الكاملة على فئة واسعة من البشر والتحكم بها والتعالي عليها والتسلط على أقدارها.
وليس في كلامي السابق دعوة لحالة نسائية ندية مع الرجل، بل على العكس تماماً، فالمغزى من العرض السابق هو التأكيد على عدم صحة أي تصنيف بيولوجي أو سيكيولوجي يعطي أفضلية للرجل على المرأة. بل الاثنان خلقا متساويين في قسمة العقل والجسد والنفس. ثم إن القوة تقتضي أن يتحمل كل مخلوق مسؤوليته الفردية تجاه أخطائه ونقصه وضعفه. وأخيراً فإن اكتمال البشرية يستلزم الاعتراف بإنسانية متساوية ومتكافئة للمرأة مع الرجل والتجرد من التصنيفات المتدنية للمرأة في قدراتها العقلية والوجدانية والجسدية. وكل عام ونساء العالم بخير.
تشير الدراسات الإنثربولوجية والآركيولوجية «علم الإنسان وعلم الآثار» إلى أن المعبود الأول للبشرية كان الأنثى. فقد رأى الإنسان الأول في الأنثى رمز «الخَلْق» في عمليات الحمل والولادة والرضاع. لذلك عبَدَ عشتار آلهة الحب والنماء والخصب عند البابليين. وتعددت صور عشتار عند باقي الحضارات العظيمة، وبقي رمز الأنثى الحنون المعطاء هو الرابط بين الآلهة المؤنثة في تلك العصور. تلك السيطرة الأنثوية للمرأة على مجلس الآلهة جعل للمرأة موقعاً متقدماً في المجتمع. فكانت هي ربة الأسرة، وكان الأبناء ينسبون إليها، والقبائل تُسمى باسمها. وكانت سمة الاسم المؤنث هي الطاغية على أسماء الدول والأماكن وحتى الرجال.
ومع تطور البشرية واستقرارها وتعلمها الزراعة وتدجين الحيوان تراجع تصنيف المرأة في المجتمع لصالح الرجل. وتحول موقعها المقدس من كونها الآلهة إلى كونها أم الإله. ومع تأسيس الدول والممالك ورسم الحدود نشأت الحروب واحتاجت البشرية لإله الحرب ليفصل بين البشر، فكان إله الحرب ذكراً لعجز الأنثى عن القيام بهذه المهمة. ومع انتشار الحروب وتفرق البشر بين منتصر ومهزوم وقعت فئة من البشر أسرى حروب فاختار المحاربون قتل الرجال والإبقاء على الأطفال والنساء، وهنا ظهرت «المرأة العبدة» التي يتبادلها الرجال للمتعة والخدمة. شكلت الحروب المصدر الأول للعبودية وتجارة البشر، وكانت المرأة العبد الأول، وصارت العبودية والنخاسة تجارة رائجة، وتحولت المرأة إلى سلعة، وأتيح للرجل ما لم يتح للمرأة بسبب الطبيعة البيولوجية. فتلاشى من المخيال الجمعي للبشر صورة المرأة المعطاء رمز الحياة والخصب والنماء إلى المرأة المسخَّرة لخدمة الرجل ومتعته.
كان ذلك في التصورات الوثنية الأولى للذهنية البشرية.. ثم تسربت من التفسيرات الأسطورية تصورات أكثر خطورة ساهمت في تراجع الوضع الاجتماعي للمرأة. فما يحكى عن دور حواء، متمثلة في الشيطان أو متحالفة معه، في غواية آدم لمعصية الله والأكل من الشجرة المحرمة، وما اخترعته الروايات في أن قابيل اقترف جريمة القتل الأولى في التاريخ حين قتل أخاه هابيل في صراع على الزواج من أخته، كلها روايات كرست صورة المرأة «الخطيئة». ومع انسياق الخيال الذكوري في تصوراته التي لفها كثيراً بالمقدس في الروايات المخترعة عن دور المرأة في غواية الرجل نحو الخطيئة وخصوصاً خطيئة الزنا صارت المرأة هي الرمز الأعلى للخطيئة. ومن هنا تشدد الفكر الاجتماعي الذكوري في علاقته بالمرأة.
تلك الأفكار التاريخية انحدرت وتبلورت وصُهرت في حالة نفسية اجتماعية سُميت كراهية المرأة أو «الميسوجينية»، التي تتمثل في ازدراء المرأة والتعامل معها بعنصرية باعتبارها مخلوقاً أقل رتبة وأدنى في التركيبة العقلية والنفسية والجسدية. وتكونت بموجب «الميسوجينية»، توجهات التمييز التاريخي تجاه المرأة في العمل والمجتمع والأسرة وغيرها. مما استنهض نشاط الجماعات النسوية لتفنيد مركبات المظلومية التاريخية ضد المرأة والمطالبة بحقوق عادلة ومتساوية مع الرجل في مختلف تفاصيل الحياة التي تعقدت والتي تورطت فيها النساء أنفسهن في ازدراء المرأة وممارسة العنصرية تجاهها لمصلحة خضوعهن للرجل.
ولا يمكننا الزعم أن البشرية في رحلتها الطويلة نحو التقدم والتحديث قد تجاوزت هذه الأفكار. فما وقع حاضرا من عودة الاسترقاق عن طريق تجارة الجنس أو تجارة الأعضاء أو عودة نظام العبودية والجواري ليس إلا دليلاً دامغاً على حنين دفين في تضعيف النفوس البشرية لعودة السيطرة الكاملة على فئة واسعة من البشر والتحكم بها والتعالي عليها والتسلط على أقدارها.
وليس في كلامي السابق دعوة لحالة نسائية ندية مع الرجل، بل على العكس تماماً، فالمغزى من العرض السابق هو التأكيد على عدم صحة أي تصنيف بيولوجي أو سيكيولوجي يعطي أفضلية للرجل على المرأة. بل الاثنان خلقا متساويين في قسمة العقل والجسد والنفس. ثم إن القوة تقتضي أن يتحمل كل مخلوق مسؤوليته الفردية تجاه أخطائه ونقصه وضعفه. وأخيراً فإن اكتمال البشرية يستلزم الاعتراف بإنسانية متساوية ومتكافئة للمرأة مع الرجل والتجرد من التصنيفات المتدنية للمرأة في قدراتها العقلية والوجدانية والجسدية. وكل عام ونساء العالم بخير.