التدهور الصحي الذي تشهده حالة خامنئي في السنوات الأخيرة فرضت حالة من الغموض والجدل بشأن خليفته ومن سيكون، ومازال هذا الجدل قائماً، غير أن ثمة أخبار متداولة عن محاولات خامنئي لإعادة ترتيب البيت الإيراني والمؤسسة الدينية قبل رحيله خصوصاً بعد ازدياد حالته سوءاً، وفي ظل تدهور صحي آخر ألمّ به في منتصف يناير الماضي، أصبح حريّاً بنا الوقوف على جملة من الأسئلة التي ستسهم في البدء بإعادة قراءة المشهد الإيراني وتداعياته على السياسة الخارجية الإيرانية تجاه المجتمع الدولي والخليج العربي، لا سيما في ظل ارتفاع أصوات عدة في إيران تدعو للتفكير في مرحلة ما بعد المرشد الأعلى الحالي، ومطالبة البعض بإلغاء منصب «الولي الفقيه» واستبداله بمجلس يقوم بمهماته. كثير من الباحثين والكتاب تناولوا تلك الجدليات والفرضيات، ويذهب الباحث مروان قبلان إلى أنه برحيل خامنئي ستزداد سلطة الحرس الثوري -سواء كان خامنئي المرشد الأخير الذي يموت في منصبه أو كان هناك من يخلفه- «أخذا بالاعتبار أنه لن يكون في مقدور أي مرشد جديد السيطرة على الحرس، بل سيكون على الأرجح دمية بيده».!!

وأقف هنا على بعض الأسئلة التي يفرض البحث فيها استعداداً لمرحلة ضبابية مقبلة:

* تُرى هل سيكون رحيل خامنئي بمثابة «الحصاة» التي «زرّت» أي ابتعدت وولت «عن درب المسلمين»؟ أم سيفتح أبواب النار لتنمرد الصقور المتشددين؟ أم ستواجه إيران سنوات من الفوضى والتذبذب تحت إمرة المعتدلين؟!! ومن الغريب أنني أتذكر الفيلم البريطاني الساخر «موت ستالين» لتنسج مخيلتي أحداث مشهد مقارب للصراع على «الولاية» وما سيترتب على ذلك الصراع من فوضى وربما تناحر..!

* هل ستشكل عودة «ثنائية الفقيه صاحب السلطة الرمزية والسلطان صاحب السلطة الفعلية» الفارق المنتظر الذي يزيح المؤسسة الدينية المتطرفة من تولي زمام الأمور في إيران ليبدو المشهد أمام المجتمع الدولي أكثر وضوحاً بصعود النزعة القومية الفارسية وحدها وتلاشي استغلال الدين في السياسة؟ وهل سيسهم ذلك في تراجع الأتباع في الخليج العربي للمؤسسة الدينية الإيرانية التي ستكون قد تهاوت على عروشها برحيل زعيمها؟ ما يعني أن محركات اللعبة قد تتغير، وأن دول الخليج العربي ستكون أمام سياسة إيرانية مختلفة تماماً يجب عليها إعادة فهمها والبحث عن سبل التعامل معها، بافتراض أن الأطماع الإيرانية في المنطقة لن تتغير إذ لم يكن دافعها بالأساس دينياً بقدر ما هو سياسي قومي.

* اختلاج النبض:

ما يهمنا من قراءة المشهد الإيراني، تقديم رؤية استشرافية للصراع الخليجي على ضفتيه، والذي تشن فيه طهران حروبها الشعواء على دول الضفة الغربية «العربية» وتلون سياساتها حسب الفاعلين فيها، إذ سيكون التلون هذه المرة بمثابة انتزاع جذري لدعامات السياسة الطهرانية وأسسها.