أحياناً يكتشف المرء أنه وبسبب الثقة الزائدة في النفس أو التصورات «الزائفة» للمبادئ والقيم قد أهمل تعلم واستخدام مهارات كثيرة في حياته. بعض هذه المهارات يمكن أن يكون كالتوقف أمام الشخصيات المتعددة وتحليلها، وتأمل كيف تحقق غاياتها وتصل إلى أهدافها. خصوصاً إذا كانت تلك الشخصيات شخصيات غير مثالية تكسر المعتقد التقليدي: «أن اللي يمشي صح هو الذي يصل!».
من أنماط الشخصيات التي أجبرتني على التوقف أمامها والتأمل في سلوكياتها نمط الشخصية «الانتهازية». تلك الشخصية التي تضع مصلحتها الذاتية في المقام الأول. ولا يعنيها المصلحة العامة أو مصلحة الآخرين. وليس مهماً إذا تضرر الآخرون أو خسر المجال العام شيئاً ما أو تدهور الحال في أي قضية. ومؤشر نجاح الانتهازيين هو فقط الصعود الذاتي وجني المكاسب الشخصية. وليس ثمة أسلوب واحد للشخصية الانتهازية. بل يعبر كل انتهازي عن سلوكه بما يتوافق مع تركيبته الذاتية ومهاراته ومواهبه، ومصادر الانتهازية المتوفرة أمامه.
إحدى صور الشخصية الانتهازية التي قابلتها في حياتي شخصية لامرأة تتميز بـ «فضول» شديد وفاضح. فهي كثيرة الكلام في موضوعات متعددة ومختلفة. وتعتمد على مد شبكة علاقاتها لأكبر مساحة ممكنة. وهذه الشخصية تبني «فرصها» الانتهازية على تقصي الأخبار وجمع الحكايات ذات الدلالة ثم ربط خيوط الروايات بين الأخبار والمتحدثين لنسج مكائد توقع بأكبر عدد من الأشخاص لفتح طريق سير خالٍ أمامها لتحقيق أهدافها الخاصة. ومع الوقت تتكشف مضار تلك الشخصية ويعمد المحيطون بها إلى الحذر وتجنبها فتدخل في أطوار العزلة التي تجعلها أكثر مكراً وشراسة. ولكن.. في النهاية تصل هذه الشخصية إلى نهاية أهدافها ويرى الجميع كيف تخطت الصفوف إلى المقدمة وخلفت ضحاياها في الخلف عاجزين عن مواجهة خطرها المكشوف. هذه الشخصية قرأت في بعض الشخصيات الفاعلة حب الوشاية والقلق من المحيطين وضعف الثقة فيهم. وقرأت فيهم بناء العلاقات على الإخلاص القائم على النفاق بدلاً من العلاقات المبنية على الصدق الوضوح. فاستغلت الشخصية الانتهازية مكامن القلق لتعيد ترتيب المواقع بما يناسبها هي.
الشخصية «الانتهازية» الثانية شخصية أكثر ذكاء برغم أن مواهبها ومهاراتها قد تكون متدنية المستوى. إذ لا يحتاج تحقيق أهدافها إلا إلى الحذر والذكاء الاجتماعي الجيد. قابلت امرأة أخرى انتهازية أيضاً، ولكن فترات صمتها طويلة، قليلة الحديث والتعليق حول ما يدور. لا أعرف لها صديقات في مجال عملها أو المجال العام. فهي تلتقط صداقات قليلة جداً ومن الإطار الخاص في حياتها. لدى هذه الشخصية القدرة على تحديد نقطة الوصول بدقة فائقة وبرسم خط مستقيم غير قابل للتفرع أو الميلان عن الهدف. هذا الخط المستقيم ليس مستقيماً في جوهره بل يتضمن الكثير من قضايا الفساد ومن الإضرار بالآخرين وبالمصلحة العامة في سبيل الوصول إلى المآرب الشخصية، ولكن... في هدوء وصمت لا يكتشف ما وراءه إلا من عرف واقترب من تلك الخبايا. خطورة هذه الشخصية الانتهازية أنها قادرة على التسويق لنفسها والإيهام بالتزامها ووقارها وجديتها، والترويج بأن ما وصلت إليه هو نتاج الاجتهاد والمثابرة والقدرات العالية.
أمام هذا النمط من الشخصيات الانتهازية متعددة الصور يقع المجتمع في فتنة «تحقيق الهدف والمصالح». ففي حقيقة واقعنا المتردي لم يعد الأفق رحباً أمام خدمة الصالح العام والتنافس «الشريف» من خلاله. والسعة كل السعة لأصحاب المصالح الشخصية الذين تتقاطع مصالحهم مع الشخصيات الفاعلة اجتماعياً ومهنياً لتحقيق أهدافهم الخاصة والشخصية. وفهم المرء للشخصيات المختلفة المحيطة به والقدرة على تفكيك سلوكها والغور في بواعثه يمكن الفرد من فهم النسق العام للمكان والمجتمع ويضعه أمام الخيار الحقيقي في التعامل مع طبيعة الوضع: هل ينكفئ على قناعاته ومبادئه، أم ينتهز الفرص ويخوض كما يخوض الانتهازيون؟!
{{ article.visit_count }}
من أنماط الشخصيات التي أجبرتني على التوقف أمامها والتأمل في سلوكياتها نمط الشخصية «الانتهازية». تلك الشخصية التي تضع مصلحتها الذاتية في المقام الأول. ولا يعنيها المصلحة العامة أو مصلحة الآخرين. وليس مهماً إذا تضرر الآخرون أو خسر المجال العام شيئاً ما أو تدهور الحال في أي قضية. ومؤشر نجاح الانتهازيين هو فقط الصعود الذاتي وجني المكاسب الشخصية. وليس ثمة أسلوب واحد للشخصية الانتهازية. بل يعبر كل انتهازي عن سلوكه بما يتوافق مع تركيبته الذاتية ومهاراته ومواهبه، ومصادر الانتهازية المتوفرة أمامه.
إحدى صور الشخصية الانتهازية التي قابلتها في حياتي شخصية لامرأة تتميز بـ «فضول» شديد وفاضح. فهي كثيرة الكلام في موضوعات متعددة ومختلفة. وتعتمد على مد شبكة علاقاتها لأكبر مساحة ممكنة. وهذه الشخصية تبني «فرصها» الانتهازية على تقصي الأخبار وجمع الحكايات ذات الدلالة ثم ربط خيوط الروايات بين الأخبار والمتحدثين لنسج مكائد توقع بأكبر عدد من الأشخاص لفتح طريق سير خالٍ أمامها لتحقيق أهدافها الخاصة. ومع الوقت تتكشف مضار تلك الشخصية ويعمد المحيطون بها إلى الحذر وتجنبها فتدخل في أطوار العزلة التي تجعلها أكثر مكراً وشراسة. ولكن.. في النهاية تصل هذه الشخصية إلى نهاية أهدافها ويرى الجميع كيف تخطت الصفوف إلى المقدمة وخلفت ضحاياها في الخلف عاجزين عن مواجهة خطرها المكشوف. هذه الشخصية قرأت في بعض الشخصيات الفاعلة حب الوشاية والقلق من المحيطين وضعف الثقة فيهم. وقرأت فيهم بناء العلاقات على الإخلاص القائم على النفاق بدلاً من العلاقات المبنية على الصدق الوضوح. فاستغلت الشخصية الانتهازية مكامن القلق لتعيد ترتيب المواقع بما يناسبها هي.
الشخصية «الانتهازية» الثانية شخصية أكثر ذكاء برغم أن مواهبها ومهاراتها قد تكون متدنية المستوى. إذ لا يحتاج تحقيق أهدافها إلا إلى الحذر والذكاء الاجتماعي الجيد. قابلت امرأة أخرى انتهازية أيضاً، ولكن فترات صمتها طويلة، قليلة الحديث والتعليق حول ما يدور. لا أعرف لها صديقات في مجال عملها أو المجال العام. فهي تلتقط صداقات قليلة جداً ومن الإطار الخاص في حياتها. لدى هذه الشخصية القدرة على تحديد نقطة الوصول بدقة فائقة وبرسم خط مستقيم غير قابل للتفرع أو الميلان عن الهدف. هذا الخط المستقيم ليس مستقيماً في جوهره بل يتضمن الكثير من قضايا الفساد ومن الإضرار بالآخرين وبالمصلحة العامة في سبيل الوصول إلى المآرب الشخصية، ولكن... في هدوء وصمت لا يكتشف ما وراءه إلا من عرف واقترب من تلك الخبايا. خطورة هذه الشخصية الانتهازية أنها قادرة على التسويق لنفسها والإيهام بالتزامها ووقارها وجديتها، والترويج بأن ما وصلت إليه هو نتاج الاجتهاد والمثابرة والقدرات العالية.
أمام هذا النمط من الشخصيات الانتهازية متعددة الصور يقع المجتمع في فتنة «تحقيق الهدف والمصالح». ففي حقيقة واقعنا المتردي لم يعد الأفق رحباً أمام خدمة الصالح العام والتنافس «الشريف» من خلاله. والسعة كل السعة لأصحاب المصالح الشخصية الذين تتقاطع مصالحهم مع الشخصيات الفاعلة اجتماعياً ومهنياً لتحقيق أهدافهم الخاصة والشخصية. وفهم المرء للشخصيات المختلفة المحيطة به والقدرة على تفكيك سلوكها والغور في بواعثه يمكن الفرد من فهم النسق العام للمكان والمجتمع ويضعه أمام الخيار الحقيقي في التعامل مع طبيعة الوضع: هل ينكفئ على قناعاته ومبادئه، أم ينتهز الفرص ويخوض كما يخوض الانتهازيون؟!