عاملان مهمان أشار لهما وزير الداخلية البحريني الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة في المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب في باريس.

الأول معني بتمويل الإرهاب، وهي النقطة التي يعتاش عليها الإرهابيون وأدوات التخريب، إذ من دون تمويل لن تجد تحركاً ممنهجاً على الأرض، ولن تجد من يغرر بالشباب ليقوموا بأعمال تخريب تضر ببلادهم وأهلهم.

هذه النقطة أوضحها بالتفصيل وزير الداخلية من خلال كشف معلومات دقيقة عن البنوك الإيرانية التي دخلت البحرين لتعمل فيها بشكل طبيعي، كبنوك ضمن مجموعة كبيرة من البنوك العالمية، لكن للأسف تكشف بأن للبنكين الإيرانيين «المستقبل» و«ملي إيران» دوراً آخر لا علاقة له بالمعاملات المصرفية، دوراً أخطر بكثير لا يمكن أن تقبل به أي دولة في العالم، ولا حتى إيران نفسها.

للأسف هذان المصرفان تحولا لممول مالي للجماعات التخريبية وممارسي التحريض، ووفرا تحويلات بمبالغ ضخمة لخدمة الأعمال الإجرامية.

كنا نقول لمدد طويلة بأن ما تتعرض له البحرين وراءه عقول تخطط، وجهات تمول، وبالتالي أيادٍ تواصل التنفيذ، وكما كشفت عمليات البحث عما كان يحصل في دوار الانقلاب، اتضح بأن هناك تمويلاً غير طبيعي حظي به هذا التجمع الذي كان هدفه اختطاف البحرين وتنفيذ أجندة إيرانية قديمة متجددة.

البحرين نجحت في كشف هذه الممارسات ورصدت التحويلات المشبوهة التي تمت، واستهدفت مبالغ ضخمة بمليارات الدولارات، وجهت لخدمة وتمويل العمليات الإرهابية، إضافة لمساعي تعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة.

تخيلوا 9 مليارات دولار تم اكتشاف تخصيصها واستخدامها في تمويل الإرهابيين والمحرضين من قبل إيران، أموال منحت لجماعات لتؤجج الأوضاع في البحرين، ولتواصل تحشيد المغرر بهم، وتجند ضعاف الوطنية، وتصرف عليها كمكافآت ومصاريف للإعداد لعمليات إجرامية استهدفت الأمن الوطني، واستهدفت قتل رجال الأمن وزعزعة الاستقرار في مملكة البحرين.

العالم الغربي لا بد وأن يعرف هذه التفاصيل الخطيرة، خاصة وأننا اليوم في حرب عالمية ضد الإرهاب، وجزء من هذه الحرب هي تجفيف منابع التمويل، إذ تعودنا من المخططين ضد بلادنا أنهم لا يقاتلون بأوجه مكشوفة، لكنهم يخوضون حرباً خبيثة بالوكالة، بحيث يحققون كل ما يريدون من تدريب وتجهيز وأدوات تنفيذ باستخدام الأموال، وهو ما كانت تعانيه البحرين، واليوم كشفت خيوط المؤامرة كاملة.

العامل الثاني الذي كشف عنه وزير الداخلية البحريني في المؤتمر، يرتبط بشكل وثيق بعمليات التمويل، بل هو الأساس الذي إن نجحوا في تحقيقه، فإن تدفق المال يأتي من بعده، ليتم الإعداد لعمليات التنفيذ.

التطرف الفكري هو الظاهرة المسمومة التي يحاول العالم إعلان حرب ضخمة عليها، إذ اليوم نعاني من عمليات «الأدلجة المتطرفة» في كل شيء، تحاول جهات الإرهاب أن تلعب على هذه الأوتار، بحيث يتوفر لها مئات آلاف المتطوعين لتنفيذ أجنداتها الإجرامية.

ومثلما كانت الدعوات للحرب تتم تحت مغريات «مفاتيح الجنة»، يتم اليوم إعداد صفوف الإرهابيين والمتطرفين من خلال استخدام «الفكر»، وخلط ذلك بـ«الأيديولوجيا»، واعتبار أن الجرائم والإرهاب كلها أعمال «يثاب» عليها هؤلاء، بالتالي ترى التغرير يتركز على الصغار والناشئة، بحيث تتم صناعة جيل كامل مستعد لإشاعة الإرهاب وهدم المجتمعات بلا تفكير أو وعي، ويكون له امتداده بحيث لا تنتهي هذه السلسلة المظلمة.

اليوم المحرض والمخطط وصاحب الفتنة واللاعب في العقول والأفكار، هو أخطر موقعاً من الإرهابي نفسه، لأن الأخير هو أداة تنفيذ لا أكثر ولا أقل، إن ذهب أو فشل، فإن هناك مجندين آخرين، لكن الوصول لزارعي الفكر المتطرف هو الغاية هنا، إذ بدون محرضين لن تقوم للإرهاب قائمة.

البحرين نجحت في اختبارات صعبة معنية بمحاربة الإرهاب والتصدي لأصحاب الفكر المتطرف، والطموح أكبر اليوم بأن يتم القضاء نهائياً على كل هذه الأمور، هو واجب حتى تعود حياتنا طبيعية، وحتى تترسخ دعائم الأمن وينتهي دابر الإرهابيين.