آخر ما يمكن توقعه هو أن يخرج علينا «نواب الشعب» المفترض أن يدافعوا عن حقوق الناس ويحققوا تطلعاتهم، ويسهموا في تخفيف الأعباء عنهم، أن يخرجوا علينا بمقترحات تتضمن كلمة «فرض ضرائب»!

مع احترامي الشديد هنا، الناس باتت مطالبها هو «وقف» فرض مزيد من الرسوم على أية خدمات أخرى، بعد أن رفعت الرسوم على بعض الخدمات، وقلل الدعم عن سلع معينة، وتم رفع سعر المحروقات، وكلها أمور تمت، والناس تتساءل أين تأثير النواب على هذه المواضيع؟!

لكن أن تأتي مقترحات تدعو لفرض ضرائب، حتى ولو كانت تستهدف فئات غير المواطنين، من مقيمين وعمال باختلاف مواقعهم، فإنها مسألة غريبة جداً، إذ حتى الحكومة نفسها لم تقم بهذه الخطوة.

بسبب أعمال التخريب والإرهاب التي حصلت في البحرين، بلادنا خسرت كثيراً من الاستثمارات، وهربت بعض رؤوس الأموال، واليوم ونحن نتعافى بشكل واضح من هذه الأمور، وتعود عجلة التنمية والاقتصاد وحركة السياحة واستقطاب الاستثمارات إلى سابق عهدها، مع رؤية تطويرية لتنويع مصادر الدخل، من الصادم أن نرى مقترحات وكأنها تهدف لـ«خنق» المقيمين من الأجانب من أصحاب عقود في الشركات وقوى عاملة، وكأنها عملية «طرد غير مباشرة».

«ضريبة استخدام طرق على الأجانب»، و«ضريبة على التحويلات المالية»، و«ضريبة على الدخل والأجور»، كلها مقترحات لو صدرت من الحكومة، لقلنا بأنها في إطار ما يحصل من فرض رسوم، لكن العجيب والغريب أن تصدر من النواب، الذين يفترض منهم أن يتصدوا لمثل هذه الأفكار، لا أن يكونوا مصدراً لها.

بل الأكثر غرابة أن الحكومة هي التي تقف في المواجهة وترفض هذه المقترحات وتورد التبريرات والتوضيحات المنطقية، خاصة تلك المرتبطة بالمعاهدات والاتفاقيات التي وقعت عليها مملكة البحرين وتلتزم بها، والمعنية بحقوق القوى العاملة، والأجانب، وضمان عدم وجود تمييز، وقبلها توجه مملكة البحرين كدولة منفتحة تشجع على استقطاب الكفاءات والاستثمارات وتمنح التسهيلات لمن يريد العمل ومن يريد إنشاء مشاريع وغيرها.

حتى لدرجة أننا وصلنا لمرحلة نجد فيها مقترحات بحصر تملك الأجانب للعقارات فقط في الأماكن السياحية، وهي مسألة رفضتها الحكومة كون الأمر يتعارض مع سياسات الدولة في تحفيز النمو الاقتصادي وجذب المستثمرين، وكلها أمور منبثقة عن «رؤية البحرين الاقتصادية 2030»، والتي بأنفسهم يشيد بها كثير من النواب، ويقرنون عديداً من التصريحات المعنية بالجوانب الاقتصادية بها، أي الرؤية.

إن كان بعض النواب يرون أن هذه المقترحات ستمكننا من «سد العجز» أو إنهاء «العجز الإكتواري» والذي أحد أسباب زيادة عمقه أيضاً «صندوق تقاعد النواب»، فإنهم لا يحلون مشكلة هنا وينهونها، بل هم يبدؤون مشكلة أكبر تضر بشكل وسمعة البحرين، وبإمكانها التأثير على حراكها الاقتصادي والاستثماري.

لسنا دولة «تمييز»، تصل بمعاملتها للأجنبي لمستوى تجعله يعاني أو يحس بأنه يعمل نظير مبلغ يتم تقطيع أوصاله، هذا منطق غير صحيح. والمؤلم كما بينا أعلاه، بأنه حتى لو حصل، فإنه منطقياً يأتي من جانب الحكومة لا النواب.

إن كنتم تريدون «توفير الأموال» و«سد العجوزات»، فإن ذلك لا يأتي أولاً من جيب المواطن البحريني من خلال زيادة رسوم أو فرض ضرائب، وثانياً لا يأتي من خلال «التضييق» على حياة المقيمين والعاملين في البلد، بل هذا يأتي أولاً من خلال ضبطكم لعمليات الإنفاق في قطاعات الدولة العديدة، عليكم الالتفات بشكل جدي لتقارير الرقابة المالية والإدارية ووقف الهدر المالي الضخم فيها، ومحاسبة المسؤولين عنها، هذه التقارير التي لا نجد تحركاً للنواب إزاءها، بقدر ما تقوم به الحكومة نفسها من تحرك.

هناك جوانب عديدة وكثيرة، يمكن من خلالها توفير الأموال، والحفاظ على ثروات الوطن، ويمكن من خلالها فتح مجالات أوسع للاستثمار، ولا يستقيم المنطق الذي يقول بأن الأجنبي هو اليوم يأخذ رزق المواطن، لأن أغلب أعمال القوى العاملة قليلة الدخل لا يعمل بها بحرينيون، وهي حالة موجودة حتى في دول أوروبية متقدمة، كما أن أرقام ديوان الخدمة المدنية تبين حجم النسبة الضئيلة جداً من إشغال الأجانب لوظائف معينة في القطاعات العامة.

خلاصة القول، البحرين ليست بيئة طاردة للمقيمين ولا الاستثمارات، فلا تجعلوها كذلك، وثانياً مقترحات فرض رسوم وضرائب لا يجب أبداً أن تصدر من النواب، بل عليهم أصلاً «رد الدين» لمن انتخبوهم باسترجاع ما دفعوه مثلاً كالـ1% ضريبة التعطل التي لا يدفعها النواب، وإعادة الأسعار التي رفعت على السلع لمستواها السابق، وبإلغاء بعض الرسوم التي زادت والنواب كانوا أمامها عاجزين، إلا البعض الذي تحدث وصرح، ومن ثم اختفى صوته، كما هو الحال مع تقارير الرقابة.