منذ السادس من ديسمبر الماضي، يوم قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس والاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، والاحتجاجات الحاشدة ذائعة الصيت، تنتشر في كافة أرجاء العالم العربي من مشرقه لمغربه، وامتدت الاحتجاجات للعالم الإسلامي، فيما اجتمع المجلس المركزي الفلسطيني «البرلمان المصغر لمنظمة التحرير الفلسطينية» في رام الله في الضفة الغربية، مؤكداً على عروبة القدس.
اعتقد أنه لابد أن نؤسس لمرحلة قادمة، حتى لا نفقد هويتنا العربية، ولا تكون القدس قضية عابرة والتحدث عنها والاهتمام بها مؤقتاً. وحتى لا يكون الغضب المقدسي غضباً عابراً، و«غضباً وقتياً» لن يتعدى القول إلى الفعل أبداً، وتظل القدس عربية أصالة وتاريخاً ومستقبلاً. ومع إدراكنا بأن اللحظة الراهنة لن تنقذ القدس، ولن تساعد على تحريرها، وإنما قد تضع اللبنات لما بعد تلك اللحظة. وبالحسابات المادية موازين القوى ترجح كافة إسرائيل مقابل كافة دول العالمين العربي والإسلامي. مع استمرار التشرذم والانقسام العربي – العربي، والفلسطيني – الفلسطيني، والإسلامي –الإسلامي، وحالات عدم الاستقرار التي تعاني منها العديد من الدول العربية، ومحاولات الانكفاء على الذات لحين توافر البيئة الداخلية المستقرة، وتراجع الاهتمام العربي بالقدس لصالح قضاياها الداخلية سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية. في هذا السياق، نقدم بعض المقترحات على المستوى الفلسطيني وعلى المستوى العربي ككل. فعلى المستوى الفلسطيني، نقترح مجموعة من الخطوات التي تحسن الوضع، وتساعد في الحفاظ على عروبة القدس ومن ثم تحريرها، فيما بعد، لعل أهمها: التخلص من الظاهرة «الحنجورية»، والاتجاه صوب اتخاذ أي فعل محسوب ومقدر جيداً، حتى وإن أتى بثماره فيما بعد. والمبادرة بالاعتراف العربي والإسلامي باستقلالية السلطة الفلسطينية في القرار والإدارة. والعمل على وقف كافة أشكال التدخل في الشأن الداخلي الفلسطيني، والعمل الجاد على إنهاء الانقسام الفلسطيني. ونوصي الفلسطينيين بما قاله الشاعر موصياً بنيه بالتضامن ونبذ الفرقة، ليعيشوا كراما وأعزة:
كونوا جميعا يا بني إذا اعترى
خطب ولا تتفرقوا أفرادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا
فإذا افترقن تكسرت آحاداً
والإعلان والالتزام بتقديم كافة أوجه الدعم المالي والسياسي للفلسطينيين في الداخل الفلسطيني وخارجه. والعمل على التجديد في شعارات القومية العربية التي قد لا يمكن للفلسطينيين أن يستغنوا عنها، لأن الاستغناء عنها يهدد مصيره وكيانه ومستقبله. والعمل على إعادة بناء السلطة على أسس مؤسسية وتمثيلية، تسمح باستيعاب التنوع الفلسطيني، وتجدد من طرق مقاومة الاحتلال. والبحث عن رعاية دولية لعملية السلام في الشرق الأوسط، قد يكون جوهرها الروس والصينيين والفرنسيين وغيرهم، ومحاولات الانسلاخ من الراعي الأمريكي الذي لم يكن نزيهاً يوماً ما. والإيمان بأن الفلسطينيين سينهضون بقضيتهم بمفردهم، مع ضرورة اتخاذ القرارات السياسية التي يرونها مناسبة. فالدول العربية منشغلة بقضاياها الداخلية وحالات عدم الاستقرار فيها. أما على المستوى العربي، فنقترح الدعوة والعمل على وقف الحروب الأهلية الداخلية والمسارعة إلى إطفاء نارها. والحرص على قيام دول وطنية ديمقراطية تنموية، تحقق الرفاهية للمواطنين. والتعامل العربي بجدية مع قضية الديمقراطية، وتحرير العرب من كافة القيود، والتخلص من مقولة «الاستثناء العربي» وإن توافر الظروف المواتية في الدول العربية سيساعد ذلك على تحقيق الديمقراطية عربيًا. ومحاولات التركيز على غياب «حماس» عن حضور المجلس المركزي الفلسطيني يصرف النظر عن الاهتمام بقضية القدس، والتركيز على الانقسام الفلسطيني. كل الفصائل الفلسطينية بما فيها حماس والجهاد لها ما لها، وعليها ما عليها، وآن الأوان للوحدة وتنسيق الصف وتجميع الجهود.
ويمكن أن يقول قائل إن الزعامات الدينية سواء إسلامية أو مسيحية هي المتصدرة في الدفاع عن عروبة القدس، وأن القيادات السياسية متوارية، وتناسى المغرضون، أن هذه المؤسسات الدينية وطنية، وأن القيادات السياسية تؤيد ما تقوم به. فعلى سبيل المثال، أقام الأزهر الشريف مؤتمره لنصرة القدس في شهر يناير الماضي تحت رعاية الرئيس السيسي، وبحضور أكثر من 80 دولة.
فضلا عن أن محاولات البعض تثبيط العزم، والتقليل من الجهود المصرية المبذولة، من أجل إتمام عملية المصالحة الفلسطينية، كلها محاولات خبيثة تهدف إلى تشتيت الانتباه، والتركيز على أمور فرعية، وتسويف الوقت لتمييع القرار وتمرير الوقت لنسيانه.
إن حديث البعض عن عدم تعليم الفلسطينيين نضالياً أو الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين أو غير ذلك من مقترحات، لن تجدي ما لم يقرها ويتفق عليها الفلسطينيون أنفسهم أولاً وقبل أي طرف طرف آخر. فأهل فلسطين أدرى بشعابها، ونضالهم سيسطر فصلاً جديداً من فصول مقاومتهم، وصمودهم أمام الاحتلال، ومهما طال الزمن ستتحرر القدس، وستعود عربية أبد الآبدين.
* كاتب وأكاديمي مصري
اعتقد أنه لابد أن نؤسس لمرحلة قادمة، حتى لا نفقد هويتنا العربية، ولا تكون القدس قضية عابرة والتحدث عنها والاهتمام بها مؤقتاً. وحتى لا يكون الغضب المقدسي غضباً عابراً، و«غضباً وقتياً» لن يتعدى القول إلى الفعل أبداً، وتظل القدس عربية أصالة وتاريخاً ومستقبلاً. ومع إدراكنا بأن اللحظة الراهنة لن تنقذ القدس، ولن تساعد على تحريرها، وإنما قد تضع اللبنات لما بعد تلك اللحظة. وبالحسابات المادية موازين القوى ترجح كافة إسرائيل مقابل كافة دول العالمين العربي والإسلامي. مع استمرار التشرذم والانقسام العربي – العربي، والفلسطيني – الفلسطيني، والإسلامي –الإسلامي، وحالات عدم الاستقرار التي تعاني منها العديد من الدول العربية، ومحاولات الانكفاء على الذات لحين توافر البيئة الداخلية المستقرة، وتراجع الاهتمام العربي بالقدس لصالح قضاياها الداخلية سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية. في هذا السياق، نقدم بعض المقترحات على المستوى الفلسطيني وعلى المستوى العربي ككل. فعلى المستوى الفلسطيني، نقترح مجموعة من الخطوات التي تحسن الوضع، وتساعد في الحفاظ على عروبة القدس ومن ثم تحريرها، فيما بعد، لعل أهمها: التخلص من الظاهرة «الحنجورية»، والاتجاه صوب اتخاذ أي فعل محسوب ومقدر جيداً، حتى وإن أتى بثماره فيما بعد. والمبادرة بالاعتراف العربي والإسلامي باستقلالية السلطة الفلسطينية في القرار والإدارة. والعمل على وقف كافة أشكال التدخل في الشأن الداخلي الفلسطيني، والعمل الجاد على إنهاء الانقسام الفلسطيني. ونوصي الفلسطينيين بما قاله الشاعر موصياً بنيه بالتضامن ونبذ الفرقة، ليعيشوا كراما وأعزة:
كونوا جميعا يا بني إذا اعترى
خطب ولا تتفرقوا أفرادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا
فإذا افترقن تكسرت آحاداً
والإعلان والالتزام بتقديم كافة أوجه الدعم المالي والسياسي للفلسطينيين في الداخل الفلسطيني وخارجه. والعمل على التجديد في شعارات القومية العربية التي قد لا يمكن للفلسطينيين أن يستغنوا عنها، لأن الاستغناء عنها يهدد مصيره وكيانه ومستقبله. والعمل على إعادة بناء السلطة على أسس مؤسسية وتمثيلية، تسمح باستيعاب التنوع الفلسطيني، وتجدد من طرق مقاومة الاحتلال. والبحث عن رعاية دولية لعملية السلام في الشرق الأوسط، قد يكون جوهرها الروس والصينيين والفرنسيين وغيرهم، ومحاولات الانسلاخ من الراعي الأمريكي الذي لم يكن نزيهاً يوماً ما. والإيمان بأن الفلسطينيين سينهضون بقضيتهم بمفردهم، مع ضرورة اتخاذ القرارات السياسية التي يرونها مناسبة. فالدول العربية منشغلة بقضاياها الداخلية وحالات عدم الاستقرار فيها. أما على المستوى العربي، فنقترح الدعوة والعمل على وقف الحروب الأهلية الداخلية والمسارعة إلى إطفاء نارها. والحرص على قيام دول وطنية ديمقراطية تنموية، تحقق الرفاهية للمواطنين. والتعامل العربي بجدية مع قضية الديمقراطية، وتحرير العرب من كافة القيود، والتخلص من مقولة «الاستثناء العربي» وإن توافر الظروف المواتية في الدول العربية سيساعد ذلك على تحقيق الديمقراطية عربيًا. ومحاولات التركيز على غياب «حماس» عن حضور المجلس المركزي الفلسطيني يصرف النظر عن الاهتمام بقضية القدس، والتركيز على الانقسام الفلسطيني. كل الفصائل الفلسطينية بما فيها حماس والجهاد لها ما لها، وعليها ما عليها، وآن الأوان للوحدة وتنسيق الصف وتجميع الجهود.
ويمكن أن يقول قائل إن الزعامات الدينية سواء إسلامية أو مسيحية هي المتصدرة في الدفاع عن عروبة القدس، وأن القيادات السياسية متوارية، وتناسى المغرضون، أن هذه المؤسسات الدينية وطنية، وأن القيادات السياسية تؤيد ما تقوم به. فعلى سبيل المثال، أقام الأزهر الشريف مؤتمره لنصرة القدس في شهر يناير الماضي تحت رعاية الرئيس السيسي، وبحضور أكثر من 80 دولة.
فضلا عن أن محاولات البعض تثبيط العزم، والتقليل من الجهود المصرية المبذولة، من أجل إتمام عملية المصالحة الفلسطينية، كلها محاولات خبيثة تهدف إلى تشتيت الانتباه، والتركيز على أمور فرعية، وتسويف الوقت لتمييع القرار وتمرير الوقت لنسيانه.
إن حديث البعض عن عدم تعليم الفلسطينيين نضالياً أو الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين أو غير ذلك من مقترحات، لن تجدي ما لم يقرها ويتفق عليها الفلسطينيون أنفسهم أولاً وقبل أي طرف طرف آخر. فأهل فلسطين أدرى بشعابها، ونضالهم سيسطر فصلاً جديداً من فصول مقاومتهم، وصمودهم أمام الاحتلال، ومهما طال الزمن ستتحرر القدس، وستعود عربية أبد الآبدين.
* كاتب وأكاديمي مصري