أناس يأتون من ثقافات وعادات مختلفة.. يعيشون معنا في بيوتنا.. ويعرفون أسرارنا ويتعلمون لغتنا.. يغادرون بلدهم حاجة وفقراً، ليمكثوا عندنا عشرات السنين.. عاملات المنازل اللاتي أصبحن عنصراً أساسياً لكل امرأة تعمل، نظراً لحاجتها إلى من يساعدها في أعباء المنزل من مهمة التنظيف أو الطبخ أو رعاية الأطفال.. أو أحياناً كواجهة اجتماعية، في حين أن مجتمعاتنا العربية أصبحت هذه الأيام مليئة بالكثير من الحوادث الناجمة عن تلك العاملات، فكل يوم هناك قصة مختلفة تدور حول مشاكلهن ومتاعبهن، من سرقات وخيانة أمانة وسوء تربية للأطفال، وحتى جرائم قتل في بعض الأحيان.

بالمقابل نرى وجود صورتين متناقضتين من صور التعامل مع هذه العمالة التي تسكن بيوتنا.. الصورة الأولى قاسية وبعيدة عن التعامل الإنساني، إذ هناك الكثير من مستخدميهم من يقوم بنهرهم وتعذيبهم وضربهم واضطهادهم، مما يؤدي إلى الانتقام والهروب، وأحياناً إلى الانتحار.. والصورة الأخرى ناعمة وتحمل بعداً إنسانياً، إذ هناك الكثير أيضاً من مستخدميهم من يحسن التعامل معهم ويعتبرهم فرداً من أفراد الأسرة وامتداداً للعائلة. فلماذا يتحول الخير إلى شر؟ وكيف لنا أن نعاملهم ونتعامل معهم؟

تخيلوا المشهد التالي: منذ يومين عندما كنت في أحد المجمعات التجارية وإذ بامرأة بكامل أناقتها تجلس مع أطفالها وهم يرتدون أجمل ملابسهم في أحد المطاعم.. إلى جانب ذلك هناك في الطاولة المجاورة تجلس بعيداً عنهم فتاة بسيطة ترتدي ملابس عاملة وتحمل على كتفيها الحقائب وألعاب الأطفال، تراقبهم وهم يتناولون وجبة الغداء. مشهد منفر قاسٍ تكرر أمامي أكثر من مرة بطرق مختلفة.. مجرد النظر إليه يرجعني إلى زمن الرق والعبودية. لم لا تلبس ملابس تليق بها كفتاة غير ملابس العمل؟ لم لا تجلس معهم على نفس الطاولة؟ لم لا تأكل معهم؟ نعم من المؤسف أن تكون ثقافة التعامل مع عاملات المنزل غائبة عن أذهان الكثيرين مما يؤدي إلى سوء معاملتهن، وبالتالي يدفع ببعضهن إلى ارتكاب الجرائم والانتقام.. إذ من الضروري أن يعرف أفراد الأسرة أن هذه العاملة إنسانة لديها طاقة محدودة.. ولديها أحاسيس ومشاعر وليست بآلة جامدة.

هنا يأتي دور ربات البيوت، فهن من يضعن نظاماً يشمل القوانين التي يجب على العاملة الالتزام بها داخل المنزل، من حيث صلاحياتها وقائمة المحظورات والممنوعات التي لا يمكن قبولها.. لأن هناك من ربات البيوت من تتدخل في خصوصيات العاملة، بل بعضهن يرفضن حتى مصافحتها أو حتى إلقاء التحية عليها، أو حتى الابتسام في وجهها.. فهن لا يدركن أن أبسط الأشياء في التعامل معهن لها وقع السحر.. فربة المنزل هنا عليها أخذ دور المعلمة والمرشدة، بل عليها احتوائهن والحفاظ على كرامتهن وإطعامهن من نفس الطعام وليس البقايا، وتعليم الأطفال حسن التعامل معهن.. فمتى ما أحسن الكبار التعامل معهن انعكس ذلك بالخير على الأسرة كلها.. ولنتذكر دائماً أنهن جئن من بلاد بعيدة عنا، ومن مجتمعات مختلفة عن مجتمعاتنا، وربما تكون جاهلة وغير متعلمة، ولم تحتك بالحياة المدنية.. فرفقاً بهن.. فهن يعشن غربة قاسية.

إن من أجمل الصفات التي يتميز بها المجتمع البحريني الطيبة والتسامح والتعايش مع الآخر.. لذلك نجد الكثير من عاملات المنازل بسبب حسن المعاملة تجاوزت سنوات خدمتهن العشرات من السنين.. إلى جانب أن مملكة البحرين شرعت الكثير من القوانين المنظمة للعلاقة بين رب العمل والمستخدم، بما يحمي حقوق العمالة الوافدة وحقوق المواطن. فمن هنا يأتي دور التوازن والوعي لمعرفة حقوق العاملة الوافدة وواجباتها وصلاحيات رب العمل وحقوقه، سواء في حالة هروب العاملة أو رفضها العمل، وإيجاد الآلية المناسبة التي تكفل للمواطن عدم تكبد دفع جميع التكاليف المادية والالتزامات القانونية المترتبة على ذلك.

إن المعاملة الإنسانية بلا شك مطلب واجب.. فهم بشر جعلهم الله تحت أيدينا، يقومون على خدمتنا وتربية أبنائنا.. فكلما أحسنا معاملتهم كلما استمرت العلاقة الطيبة بيننا وبينهم.. فبعضهم يقدّر لأصحاب المنزل أبسط الأشياء ويعظّمها.. فعلينا فهم حقوقهم.. حتى لا نظلم أنفسنا ومن يعيش معنا تحت سقف واحد.