أقرأ بالأمس القرار الذي أصدره وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، المعني بآليات تنفيذ العقوبات والتدابير البديلة، وأتوقع بأن من يقرأ «عنوان الخبر» فقط، فيما تم نشره بالصحافة، قد يستاءل عن هدف إيجاد «عقوبات بديلة»، وكأنها تحل محل ما هو متبع عادة بشأن الجرائم والجنح وغيرها، وكذلك من سيقرأ التفاصيل والآليات، قد يتساءل بدوره إن كنا بحاجة لمثل هذه العقوبات، وكأنها مساعٍ لـ«تخفيف» العقوبات على من يستحقون تطبيقها عليهم.

القرار يتحدث عن «آلية تنفيذ العقوبات والتدابير البديلة»، وتضمن عدداً من الآليات هي كالتالي:

الإقامة الجبرية.

حظر ارتياد مكان أو أماكن محددة.

الخضوع للمراقبة الإلكترونية.

العمل في خدمة المجتمع.

التعهد بعدم التعرض أو الاتصال بأشخاص أو جهات معينة.

حضور برامج التأهيل والتدريب.

إصلاح الضرر الناشئ عن الجريمة.

وبحسب القرار فإن النيابة تشرف على تنفيذ الأحكام، لكن عملية المتابعة تتولاها المديريات الأمنية، والتي تقوم بالتأكد من تنفيذ العقوبة البديلة بشكلها الصحيح ودون أي إخلال. وطبعاً على المحكوم بها، الالتزام بالضوابط والتعاون مع المديريات، خاصة فيما يتعلق بعملية مغادرة محل الإقامة خارج الأوقات المسموح بها، وأن يتواصل دائماً مع من يتابعونه من المديريات وتحديد موقعه وغيرها من تفاصيل.

وللإيضاح هناك على كل عقوبة بديلة اشتراطات وضوابط وتفاصيل تنظم العملية، وتحفظ للمحكوم حقه من المساحة المحددة له، وتبين له واجباته.

الآن لأفكر بمنظور القارئ العادي، وأتساءل عن الهدف، إذ هل هدفنا اليوم إخراج المحكومين من مراكز التوقيف أو السجون؟! هل الهدف تقليل أعدادهم في الداخل وزيادتها في الخارج، أي في الحياة العامة؟! بالتالي أين هي سياسات المحاسبة والردع والعقاب المنصوص عليها في القوانين؟!

سأجيب من واقع فهم لشخص يقرن ما تعمل به الدولة من قوانين، وفق «روح» المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، ولهذا «العامل» الذي ذكرته تأثير كبير في «معادلة الحكم» على كثير من المسائل.

السؤال هنا، ما هدفنا من القوانين، وما هدفنا من المحاكم، وما هدفنا من مراكز التوقيف والسجون؟!

هل الهدف «فقط» تنفيذ العقوبات بحق من يرتكبها والسلام؟! أم الهدف أكبر من ذلك، ويتمثل بـ«إصلاح» ما هو «معطوب»، و«تصحيح» مسارات خاطئة، و«بناء المواطن» من جديد، عبر التأثير عليه إيجاباً، وجعله يرى «الصورة الأكبر» بخصوص الوطن والمواطنة بعينين كبيرتين، إذ الجرائم والإخلال بالقانون لا تتم إلا بسبب دوافع ومسوغات، ولو كانت هناك «خطوط دفاع» قوية ضد هذه الدوافع لما حدثت الجرائم.

بالتالي حينما نذكر وصف «السجون» في البحرين، وأعني الوصف المعتمد، علينا أن نتمعن في المسمى، هي «مراكز إصلاح وتوقيف»، بمعنى أنها توقيف زمني لأشخاص ارتكبوا أخطاء، بهدف إصلاحهم وعودتهم بعدها للمجتمع.

طبعاً هنا يمكن فهم قرار «العقوبات البديلة»، إذ لسنا نتحدث عن تلك الجرائم ذات الدرجة العالية من الخطورة، والتي تدخل في خانة الخيانة العظمى أو القتل مع سبق الإصرار والترصد ومن يماثلها، بل الجرائم التي يمكن لمرتكبها أن يمنح فرصة ثانية لإصلاح نفسه، والعودة للمجتمع، وأن يحس بشعور الحرية خارج مراكز التوقيف، هذه الحرية التي تخلى عنها حينما سار في الطريق المعوج.

عقوبة «العمل في خدمة المجتمع»، هي بحد ذاتها ليست عقوبة، إذ كلنا كموظفين نعمل في خدمة المجتمع، فالهدف هنا الانخراط مجدداً في الإسهام ببناء المجتمع وخدمة الناس، وبناء جسور جديدة للأمل والعودة للاندماج، فتخيلوا أن هذه «عقوبة»، ينتج عنها تقرير عن سلوك المحكوم عليها، وحسن السيرة فيه لها تأثيرات إيجابية.

مثل هذه القرارات، والنهج التقدمي في معالجة الجريمة ومساعدة المجرمين على إعادة التأهيل، وإعادتهم لمسارات المواطنة الصحيحة، هي الأمور التي يفترض أن تبرز للمجتمع الغربي، وأن يصل لمن ينتقد البحرين من جمعيات ومؤسسات خارجية، لديها نظرة خاطئة عن بلادنا، وتظن بأن البحرين سنت قوانين لسجن الناس، طبعاً هم لا يقولون سجن «مجرمين» في توصيفهم.

قوانين البحرين هدفها إصلاح الناس، ومن في مراكز التوقيف، كثير منهم يتغير حالهم ويتحولون لأداة تخدم بلادهم، طالما وجدوا مساحة مفتوحة من عمليات التأهيل والاندماج، وقانون «العقوبات البديلة» أحد الطرق الأساسية المؤدية لهذا الهدف.