لو تم احتساب الشرطي البريطاني المكلف بالتواجد أثناء الساعة المرخص فيها لتنفيذ اعتصام «المعارضة» في لندن قبل أيام وأضيف إليه المصور والفتاة التي كانت تقف وراءهم والشاب الذي ظهر في خلفية المشهد وهو يتحدث في الموبايل فإن العدد الإجمالي للمتواجدين في المكان يكون عشرة، ولو تم احتساب الطفل الذي كان يحمله أحد المعتصمين على كتفه في جزء من اللقطة فإن العدد يكون عشرة ونصف لا أكثر، ما يؤكد أن الهدف من الاعتصام كان الظفر بالصورة بغية بثها عبر الفضائيات «السوسة» التي تعرف كيف تصنع منها حدثاً كبيراً، بدليل التصريحات التي أدلى بها نصف المشاركين في الاعتصام وتم تضمينها الخبر، وإلا فإن أحداً من الذين مروا في المكان لم يسمع ما قالوا ولا يهمه لماذا تجمعوا و»اعتصموا»، والأكيد أن من كان متواجداً في المكان بحكم عمله لم يصله صوتهم واعتبرهم وكأنهم غير موجودين.

هذا يعني أن الاعتصام كان فاشلاً ولا قيمة له حتى وإن حقق هدف الحصول على مساحة «راهية» في نشرات أخبار تلك الفضائيات وبعض المواقع الإلكترونية، فالمعتصمون لم يتمكنوا من توصيل صوتهم ورسالتهم إلى الجهة المعنية ولم يتمكنوا حتى من لفت انتباه المارة، ما يؤكد أن الهدف الآخر من الاعتصام كان إيهام أنفسهم بأنهم لايزالون قادرين على التحرك وشغل الفراغ الذي يعانون منه.

لا الاعتصامات تنفع ولا غيرها من أدوات وأساليب الاحتجاج، والحقيقة الصادمة للمشاركين فيها هي أنها مضيعة للوقت وسبب يزيد من تعقيد المشكلة التي يمكن حلها بطرق أخرى أقل كلفة خصوصاً وأن أبواب الحكم مفتوحة ويتوفر في البحرين الكثير من الشخصيات الوطنية المقبولة من مختلف الأطراف ذات العلاقة ويمكن أن تسهم في حل جزء كبير من المشكلة إن لم يكن حلها كلها خصوصاً لو تم التحرك في هذا الشهر الذي تكون فيه النفوس على استعداد للتصافي وقبول ما يصعب قبوله في غيره من شهور السنة.

استمرار الذين اعتبروا أنفسهم «معارضة» في نهجهم الذي لا يمكن أن يوصلهم إلى نتيجة يعني أنهم لايزالون دون القدرة على استيعاب المشهد والاستفادة من التجربة التي مروا بها ورأوا نتائج مثيلاتها في بلدان أخرى عديدة، والأمر ليس «صبر ساعة» كما صاروا يشيعون ويرددون، فالساعة هنا طويلة ولعلها بألف ساعة، وهو ما لا يستطيعون تحمله.

الأمر الذي ينبغي أن ينتبه له أولئك أيضاً هو أن الحكومة التي يتعرضون لها حكومة قوية وتمتلك تجربة في التعامل مع مختلف المواقف ولا يمكن أن تقف مكتوفة اليدين أمام هذا الذي يقومون به، حيث من الطبيعي أن تكون لها ردة فعل، ومن الطبيعي ألا تكون في صالحهم، فتتخذ من القرارات ما قد يؤذيهم بطريقة أو بأخرى.

الوقت الذي أضاعه أولئك الخمسة ومعهم النصف المحمول على كتف سادسهم في ذلك المكان كان الأجدى توظيفه في التفكير في طريقة يوصلون بها صوتهم ووجهة نظرهم ومطالبهم إلى الجهة ذات العلاقة عبر تلك الشخصيات الوطنية التي لن تتردد عن القيام بهذه المهمة. اختيارهم لتلك الوسيلة غير النافعة يشبه تماماً تعليقاتهم السالبة التي نتاجها الطبيعي رفض الحكومة لهم، إذ من غير المعقول أن تقبل الحكومة من يعتبر التطاول وتجاوز الأعراف والعادات والتقاليد والأصول حقاً وشكلاً من أشكال النضال، فهذا طريق يوصل إلى طريق غير نافذ ويغلق كل الأبواب التي يفترض أن تحرص «المعارضة» على إبقائها مفتوحة.

الاعتصام المذكور كان فاشلاً، سواء من حيث العدد أو المضمون، ولم يتمكن منظموه والمشاركون فيه من توصيل رسالتهم، فالرسائل التي ترسل عبر هذا الطريق تعود إلى أصحابها.