الحق لا بد أن يقال، ومن هذا المنطلق سجلنا كتاباً ومواطنين موقفاً شاكراً للإخوة النواب الأربعين جميعهم بلا استثناء موقفهم بشأن مقترح قانون التقاعد الجديد، باعتباره أهم موقف اتسق تماماً مع موقف المواطنين، وكذلك لم ننس الأعضاء الشوريين الثلاثة الذين رفضوا القانون.

اليوم لدينا ممارسة ديمقراطية تسير بطريقة صحيحة، معنية بقانون مختلف عليه وأثار جدلاً كبيراً في الشارع البحريني، وعليه فإن التمسك بهذا النمط أمر مطلوب، وأعني به أن نسير في المسألة خطوة بخطوة بحسب ما ينص عليها الدستور.

بعد موقف مجلس الشورى من القانون، وموافقتهم بغالبية عليه مع إضافة نص يعطي الصلاحية لرئيس الوزراء بالموافقة أو الرفض لقرارات هيئة التأمينات، ورغم الآراء القائلة بأن مجلس الشورى وكأنه سلم صلاحياته الرقابية واختصاصاته بمناقشة المشاريع والقوانين وقبولها ورفضها، فإن الترقب كان لانعقاد المجلس الوطني لحسم الموضوع.

الناس نظروا للموضوع بنوع من التفاؤل، كون الأرقام تشير لرفض غالبية أعضاء المجلس الوطني إذا اجتمع بشقيه، مع التمسك بالتصويت العلني على القانون، ما يعني أنه لن يمنح صك القبول. وكل هذه إجراءات دستورية حددها المشرع لعمل مجلسي الشورى والنواب والمجلس الوطني في حالة اجتماعه.

حتى هذه النقطة كنا نسير في طريق صحيح، مع التذكير بأنه ليس خطأ أبداً أن يتم الاعتراض على قانون تقدمه الحكومة، أو يعاد النظر فيه، لأن هذا يقع ضمن الممارسة المختصة للمجلس الوطني، هذا المجلس الذي وجد حتى يكون «صوت الناس» ويتأكد من عملية «إشراكهم في صناعة القرار».

لكن الملاحظة المستغربة هنا تأتي فيما حصل بعد ذلك، من اجتماع لهيئة مكتب مجلس النواب ومناشدة رمزنا الأول جلالة الملك حمد حفظه الله وأيده، برغبة إحالة المشروع المقدم من الحكومة للمحكمة الدستورية ليتم النظر فيه بشأن مطابقته للدستور، وأن التقرير الصادر بعدها يكون ملزماً لجميع سلطات الدولة.

مع الاحترام والتقدير الشديد لرئيس مجلس النواب وأعضاء هيئة المكتب، وثقتنا بأنهم على قدر المسؤولية بإذن الله تجاه مطالب الناس، وهو ما عبروا عنه من خلال موقفهم بشأن التصويت على القانون، فإن عملية طلب الإحالة للبت في الوضع الدستوري للقانون، كان يمكن أن تكون الخطوة التي تسبق عملية التصويت على القانون.

نكتب هذا ونحن لسنا بمشرعين، لكننا مراقبين، ونحلل الأحداث بتسلسلها المنطقي، وبالتالي نفكر لو أن الطلب رفع منذ البداية باعتبار أن هناك شبهة دستورية، فإن عملية التصويت بالتالي ستقف من قبل المجلسين حتى يبت في الموضوع، وإن ثبت عدم دستوريته فإن استمراره يكون منتفياً، وإن أقر بدستوريته فإنه يناقش ويصوت عليه بعدها.

قد يكون تشخيصي خاطئاً، لكنني أرى بأننا نقوم الآن بخطوة كانت يفترض أن تكون الأولى قبل التصويت.

وعليه فإن مبعث الاستغراب معني بجدوى الطرح اليوم بعد التصويت؟! هل الهدف إيقاف القانون من قبل جلالة الملك حفظه الله، وهو رأس السلطات والوالد الحنون على أبنائه، وخط الدفاع عنهم وحمايته؟! إن كان كذلك، فجلالة الملك من خلال إعادته للحياة البرلمانية عبر مشروعه الإصلاحي منح السلطة التشريعية صلاحيات دستورية كاملة، بحيث تمضي الآلية لتصل إلى اجتماع المجلس الوطني، وتقرير ما يراه في صالح الوطن والمواطن، وقراره بالتالي يحترم.

في رأيي المتواضع، لماذا لا يجتمع المجلس الوطني، ويتم التصويت على المشروع، وبحسب الأرقام فإن الأغلبية غير متحققة لتمريره، بالتالي يحسم أمره، قبل القيام بأية خطوات أخرى؟!

أدرك أن تحرك هيئة المكتب تم بنوايا حسنة ولأجل المواطنين، بحسب ما أفاد بيانهم، ونؤمن تمام الإيمان بأن المواطن يثق ثقة مطلقة بوالده جلالة الملك، فهو الرجل الشجاع الذي تصغر عند إرادته السامية الأمور المعقدة والصعبة، لكن ملكنا أعطاكم كافة الصلاحيات التي يسندها الدستور، فلماذا لا تستخدمونها، وتثبتوا بأن مجلسكم الموقر خير معين لتحقيق رؤية ملكنا ومشروعه الإصلاحي في شأن خدمة الناس وحماية حقوقهم.