عندما شكل توفيق السويدي وزارته الثالثة بالعراق يوم 5 فبراير من سنة 1950 خصص يوم الأربعاء من كل أسبوع للمواطنين يلتقي بهم وجهاً لوجه يسمع مظالمهم وشكواهم، أو أي شي يريدون عرضه على رئيس الوزراء وجهاً لوجه، وأعلن عن ذلك بالصحف الرسمية، وكانت المقابلات تجرى من الساعة العاشرة صباحا وحتى الواحدة ظهراً، عين رئيس الوزراء كاتباً نبهاً يحضر الاجتماعات معه مهمته تسجل نقاط الشكاوى المهمة ويبلغ أصحابها بمراجعته بعد أسبوع لإبلاغهم بالنتيجة وكيف يتصرفون بعدها، وفي اليوم الذي يلي الاجتماع يذهب لمراجعة الدوائر ذات العلاقة باسم رئيس الوزراء ويحصل منهم على الإجابات، وعن هذا يقول السويدي: «الكاتب يراجع الدوائر ذات العلاقة باسم رئيس الوزراء ويحصل على الإجابات إلا المحاكم»، فالمحاكم كانت الدائرة الوحيدة اللي لا يراجعها ولا يسألهم عن عملهم أبداً حتى لو تعلقت الشكوى بهم، ثم يكمل كلامه فيقول: «للأسف وجدت أن 70% من شكاوى الناس ومظالمهم باطلة من أصلها ولايمكني فعل شيء لأنها قضايا كانت تسير بمجراها القانوني الصحيح وليس لي مجال للتدخل».
مسكين توفيق السويدي رحمه الله! مع أنه حقوقي خريج باريس وعمل ضابطاً قانونياً بالجيش العثماني وكانت له اليد في كتابة دستور المملكة العراقية عندما تشكلت وأفنى عمره وهو يتنقل بين مناصب وزير الخارجية ووزير العدلية وثلاث مرات رئيس وزراء، وبعد كل ذلك يقول لا أتمكن من التدخل بقضايا ومعاملات تسير بطريقها القانوني الصحيح.. فهو لم يسمع ولم ير العراق الحديث، عراق ما بعد الاحتلال الأمريكي وهو يتمتع بمبادئ جديدة لم تخطر على بال السويدي مثل مبدأ «ما هو القانون.. مجرد جرة قلم» ولم ير نواب البرلمان وهم «يداومون» بمكاتب الوزراء أكثر من دوامهم بالبرلمان «ليخدموا شعبهم».. الأغرب أنه يقول نراجع كل دوائر الدولة إلا المحاكم! للأسف لم يشهد رؤساء الوزارة في الثلاثة عشر سنة الأخيرة وقد جعلوا القانون ومؤسساته أداة طيعة تخدم مصالحهم الشخصية والحزبية فيفصلون القوانين على الأشخاص كما يفصل الخياط الثوب ثم يطلقون التهم بالحق والباطل، ويرفعوها أيضاً بالحق والباطل، فترى القضاء يعلن اتهام شخص ما بتهم تتراوح عقوباتها بين المؤبد والإعدام وفجأة وبعد أن يسوي المتهم قضيته السياسية مع رئيس الوزراء وحزبه تهبط الطائرة حاملة المتهم ليتوجه مباشرة إلى مقر المحاكم وبينما يشرب قهوته تسوى جميع القضايا ليعود ظهراً إلى طائرته معافى من التهم بريئا منها، وآخر وزير صفر ميزانية وزارته وحولها لحساباته الخاصة خارج البلاد تنتظره المحاكم عدة أيام ريثما يرتب أوضاعه ويسلم على الأهل والأحباب ويركب طائرته بعدما أخرج كل الأموال، مراعين بذلك مبدأ «إذا رأيت الحرامي فلا تحاصره واترك له منفذ للهرب»، للأسف.
ببساطة عندما كان النظام في العراق ملكياً كانت دولة ناهضة تلتزم بمبادئ إدارة الدولة الحديثة كما هو الحال في دول العالم المتقدم، وبعد الانقلاب العسكري على النظام الملكي أصبحت القوانين لا هيبة لها حتى وصل البلد إلى قاع الحضيض في سنواته الخمسة عشر الأخيرة.
{{ article.visit_count }}
مسكين توفيق السويدي رحمه الله! مع أنه حقوقي خريج باريس وعمل ضابطاً قانونياً بالجيش العثماني وكانت له اليد في كتابة دستور المملكة العراقية عندما تشكلت وأفنى عمره وهو يتنقل بين مناصب وزير الخارجية ووزير العدلية وثلاث مرات رئيس وزراء، وبعد كل ذلك يقول لا أتمكن من التدخل بقضايا ومعاملات تسير بطريقها القانوني الصحيح.. فهو لم يسمع ولم ير العراق الحديث، عراق ما بعد الاحتلال الأمريكي وهو يتمتع بمبادئ جديدة لم تخطر على بال السويدي مثل مبدأ «ما هو القانون.. مجرد جرة قلم» ولم ير نواب البرلمان وهم «يداومون» بمكاتب الوزراء أكثر من دوامهم بالبرلمان «ليخدموا شعبهم».. الأغرب أنه يقول نراجع كل دوائر الدولة إلا المحاكم! للأسف لم يشهد رؤساء الوزارة في الثلاثة عشر سنة الأخيرة وقد جعلوا القانون ومؤسساته أداة طيعة تخدم مصالحهم الشخصية والحزبية فيفصلون القوانين على الأشخاص كما يفصل الخياط الثوب ثم يطلقون التهم بالحق والباطل، ويرفعوها أيضاً بالحق والباطل، فترى القضاء يعلن اتهام شخص ما بتهم تتراوح عقوباتها بين المؤبد والإعدام وفجأة وبعد أن يسوي المتهم قضيته السياسية مع رئيس الوزراء وحزبه تهبط الطائرة حاملة المتهم ليتوجه مباشرة إلى مقر المحاكم وبينما يشرب قهوته تسوى جميع القضايا ليعود ظهراً إلى طائرته معافى من التهم بريئا منها، وآخر وزير صفر ميزانية وزارته وحولها لحساباته الخاصة خارج البلاد تنتظره المحاكم عدة أيام ريثما يرتب أوضاعه ويسلم على الأهل والأحباب ويركب طائرته بعدما أخرج كل الأموال، مراعين بذلك مبدأ «إذا رأيت الحرامي فلا تحاصره واترك له منفذ للهرب»، للأسف.
ببساطة عندما كان النظام في العراق ملكياً كانت دولة ناهضة تلتزم بمبادئ إدارة الدولة الحديثة كما هو الحال في دول العالم المتقدم، وبعد الانقلاب العسكري على النظام الملكي أصبحت القوانين لا هيبة لها حتى وصل البلد إلى قاع الحضيض في سنواته الخمسة عشر الأخيرة.