لم يتسنَّ لي حضور لقاء وزير المالية مع الكتاب والصحافيين لظروف عملي في الخارج، لكن ما يثلج الصدر وجود عدد من الكتاب الذين لايزالون يتناولون موضوع مقترحات مشروع التقاعد الجديد الذي تقدمت به الحكومة، والأهم تناولهم له بموقف يتفق تماماً مع موقف المواطن الرافض للمساس بمكتسباته أو التضييق عليه فيها.
كتبنا كثيراً عن الموضوع، والحمد لله بسبب كتابات الزملاء التي صبت في صف المواطن، والرفض المجتمعي، دون نسيان موقف مجلس النواب في التصويت على المشروع وكذلك الشوريين الثلاثة، كان التفاعل الملكي المقدر من والد الجميع جلالة الملك حفظه الله وانتصاره للمواطن، وتوجيهه بإعادة المقترح للحكومة لتبحث أية تعديلات بما يتوافق مع ما طرح من مواقف منتقدة ورافضة له.
وفِي تأكيد على ما قدمه بعض الزملاء، فإن الملاحظات بشأن رفع السن التقاعدي، واحتمالية زيادة نسبة الاشتراك، ووقف زيادة المتقاعدين بعد سبع سنوات، والأخيرة نقطة محورية، فإن الحاجة لإجابات شافية باتت مطلباً أكثر إلحاحاً، إذ تطبيق هذه البنود الثلاثة فيه تعارض مع مبدأ عدم المساس بالمواطن.
ندرك تماماً حقيقة الهاجس الذي طرحه الأخ الوزير بشأن مخاوف إفلاس الصناديق في أقل من عقد زمني، وأن هناك إجراءات لا بد وأن تتخذ، لكن هذا الأمر تحديداً يجرنا للتساؤل مجدداً حول الحلول الممكنة للتعامل مع الموضوع بعيداً عن مكتسبات المواطن. إذ هل بالفعل لا توجد حلول أخرى؟!
المسؤولية كبيرة على المعنيين لأنها مسألة حساسة جداً، لكن الشعور اليوم يتمثل بأن هناك جهة واحدة مطالبة بإيجاد الحلول، وأن على الأطراف الأخرى التعليق عليها سواء بالرفض أو القبول، وهذا بحد ذاته لا يكفي. إذ لا بد من المشاركة الفاعلة لجميع المعنيين في التفكير بحلول أخرى، وهنا أبحث عن البرلمانيين والمفترض أن لديهم الآن حصيلة ليست بقليلة من الأفكار البديلة التي تجنب الدولة الضغط على المواطن، وحتى الكتاب وأصحاب الرأي الذين يقفون مع المواطن، لا يجب الاكتفاء بالجلوس معهم ومحاولة شرح الأمور لهم والرد على تساؤلاتهم، بقدر ما هو مهم إشراكهم في عملية اقتراح الحلول بناء على المعطيات الموجودة، خاصة بعد التقدير الصريح الذي صدر عن جلالة الملك بحقهم وأنهم عبروا عن صوت المواطن.
ألا تمكن عملية التسديد والمقاربة في الميزانية، في المصروفات والإيرادات لمعالجة جزء كبير من الموضوع؟! بمعنى، كم يبلغ الوفر المالي المتوقع من الإجراءات لو طبقت، وهل يمكن في المقابل توفيره من بنود أخرى بدل توفيره من تقليص مزايا ومكتسبات المواطن؟! أسأل وأنا أحاول التفكير معكم في حلول بأسلوب إدارة الأزمات.
اليوم نحتاج للإيجابية في الطرح، ولمساعٍ جادة للوصول لحلول تحفظ للمواطن مكتسباته، والجهات المعنية في الحكومة تحتاج من يعينها بأسلوب المناصحة التي تضع مصلحة المواطن أولاً، لذا فإن من هدفه الدفاع عن حقوق الناس هو من يريد المواطن سماع صوته، وأما من سيتحول بآرائه لصوت حكومي أكثر من الحكومة، فهو من يضر الناس بهذا الطرح، ويشوه مبادئ الكتابة الصحافية ويحرف المسألة عن جوهرها المتمثل بالتعبير الصادق عن صوت وهموم الناس.
قرأت مقالاً في إحدى الصحف، فيه طرح مؤسف ومخجل لكاتبه، ولن أقول زميلاً لأنه لم يمتهن الصحافة يوماً، واليوم بات كثيرون يكتبون آراء بدون الصفة الصحافية، بعضهم يقدم رأياً قيماً يشكر عليه، وبعض وكأنما يستخدم المساحة ليلمع نفسه أمام جهات مسؤولة معينة، وهنا تكمن الكارثة. الطرح الذي قرأته وكأنها دعوة لسل السكين على رقبة المواطن، وكأنه تصفيق حاد للحكومة على كل مقترح حتى لو خالف إرادة الناس، وحتى لو لم يلتزم حرفياً بتوجيه جلالة الملك!
حتى النواب تمثلوا ولأول مرة وفِي سابقة تاريخية بموقف المواطن، بالتالي لهذا الشخص ومن يحذو حذوه نتمنى "أن تكتب خيراً، أو لا تكتب أبداً"، إن كان ما ستكتبه ضد الناس واستهزاء بهمومهم ورأيهم.
الكتابة أمانة، وأساس هذه الأمانة أن تكون حافظة لحقوق الناس، متحدثة باسمهم وبكل صراحة وشفافية، متجردة من أية مكاسب وأهداف شخصية.