لماذا يعتذر السياسيون في العالم لشعوبهم؟ وما هي فائدة الاعتذار؟ وأي نوع من السياسيين يعتذر؟
الاعتذار أحد الأداوت التي يستخدمها السياسيون في العالم ليراجعوا من خلاله مواقفهم ويستجيبون لمطالب جمهورهم الذي انتخبهم ويبنون من خلاله لأنفسهم وأحزابهم صورة ذهنية إيجابية عند الناس، وبالتالي يحسنون صورتهم ويزيدون من شعبيتهم من خلال التعاطف معهم كونهم اعتذروا، ويحاولون بالاعتذار إرضاء وتعويض جمهورهم وناخبيهم، خصوصاً وأن أغلب البشر يعدون الاعتذار شجاعة، طبعاً هذا إذا أذنب السياسي أو ارتكب خطأ تقديرياً بعمله السياسي، يحدث ذلك بأكثر الحالات عندما يخفي السياسي حقائق عن ناخبيه وجمهوره أو يتعمد تضليلهم... أما أي نوع من السياسيين الذين يعتذرون فالواقع أن السياسيين الذين يعتذرون في الغالب هم السياسيون الذين يتقدمون إلى مواقع المسؤولية عبر الانتخاب، هؤلاء من يفكرون بالاعتذار ويناقشه لأنه حريص على إعادة انتخابه أو انتخاب حزبه، أو يخشى من عواقب قانونية.
ومؤخراً على خلفية المظاهرات المستمرة حالياً في العراق، ظهر زعيم ميليشيا وقائمة انتخابية حصلت على مقاعد كثيرة في البرلمان، وبصورة ما قدم أعذاراً للشعب، بدا هذا الاعتذار وكأنه محاكاة لما يحدث في دول الغرب، فهل لهذا الاعتذار قيمة؟ الواقع بالنسبة للوضع في العراق فهذه الثقافة ليس لها أي وجود ولا أي حاجة من الأساس، فمنذ أن تأسس العراق بمفهوم الدولة الحديثة سنة 1921 وحتى هذي اللحظة وليس هناك سياسي وصل إلى موقع المسؤولية بالانتخاب ليخشى على سمعته أمام الناخبين أو سمعة حزبه، فالمسؤولون في العراق كلهم إما وصلوا بتعيين من الاحتلال أو بانقلاب عسكري، والصنفان ليسوا بحاجة الاعتذار على أي خطأ، لإنهم ليسوا بحاجة إلى فوائده أصلاً مع أنهم ارتكبوا فظائع وحروباً وأخطاء أعادت البلد إلى حقبة ما قبل التاريخ، كما أنهم غير مستعدين لتحمل النتائج المترتبة عليه.
ثقافة الاعتذار السياسي هذه لا يمكن أن تتحقق في العراق إلا بعد أن تترسخ الممارسات الديمقراطية الحقيقية وليس الشكلية، فالممارسة الديمقراطية لا يمكن أن تتحقق باستيراد الدولة لعدة آلاف من لترات الحبر المخصص للانتخابات، وتنظم انتخابات تسميها العرس الانتخابي أو العرس الديمقراطي، وقبل العرس وبعده مفخخات هنا وخطف وقتل هناك وعصابات مسلحة تشكل قوائم انتخابية تعود نفس الوجوه التي أتى بها المحتل الأمريكي والإيراني قبل 15 سنة وتسمي هذي ديمقراطية، لذا لكل من يحسب نفسه على السياسيين في العراق، يمكن القول: ليس لمثلكم أن يعتذر.