في تغريدة حظيت بتفاعل رهيب، كتب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، رئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي، كتب عن نتائج تقارير تكشف نسبة رضا الموظفين في ٤٠ جهة اتحادية.
كتب سموه بأن نسبة رضا الموظفين في بعض الجهات تبلغ نسبة ٩٣٪، وهذه بالقطع نسبة كبيرة جداً، تكشف أن عمليات التوجيه المستمرة من قبل الشيخ محمد، ونزوله الميداني الدائم، واتخاذه إجراءات بحق المتهاونين والمتجاوزين والمخالفين في نفس الوقت، كانت سبباً رئيساً في تحسين كثير من المسؤولين لعملهم من خلال تحسين الأساليب الإدارية، والاهتمام أكثر بالعامل البشري.
لكن المثير ما كتبه الشيخ محمد في النصف الثاني من التغريدة بأن هناك ٥ جهات في الإمارات، نسبة الرضا لدى الموظفين تقل عن ٦٠٪، وأن هذه النسب غير مقبولة. والمثير لا يتعلق بهذه النسبة أبداً، بل بما اتخذه سموه من إجراء بعدها، تمثل بأنه أمهل مدراء ومسؤولين هذه الجهات ٦ أشهر لتغيير بيئة العمل، مشدداً على معادلة هامة جداً، تمثل له أساساً في الإدارة الحديثة والسليمة، حين كتب: "رأس مال الحكومة الأغلى هو موظفيها، ورضا الموظفين مفتاح لرضا المتعاملين".
أقرأ هذه التغريد فـ "توجعني" بصراحة، توجعني لأن سمو الشيخ محمد بن راشد غير راض بنسبة رضا تصل ٦٠٪ لدى الموظفين في ٥ قطاعات، في وقت أكاد فيه "أقسم" و"أحلف" بالله، أنه لو أجرينا عمليات تقييم وقياس واسعة على قطاعات البحرين المختلفة، وأعني هنا "عمليات قياس حقيقية" لا "فنتازية" فإنك لن تصل في غالبية القطاعات لنسب تصل إلى ٤٠٪، اللهم باستثناء بعض الحالات لدي موظفين معينين، إما يكونون مستفيدين من "الظلم الإداري" الواقع على غيرهم، أو يكونون من "جوقة" المسؤول.
لكن الحق يقال هنا، بأننا لو عدنا لنجمع كثيراً من التوجيهات التي صدرت من صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان رئيس الوزراء الموقر، خلال اجتماعاته الأسبوعية مع المسؤولين والمواطنين، وخلال ترؤسه لجلسات مجلس الوزراء، وخلال جولاته الميدانية، سواء التي تكون مبرمجة أو فجائية لمواقع العمل المختلفة في المملكة، سنجد أن سموه دائماً ما يحث الوزراء على فتح أبوابهم، وعلى الاستماع للمواطنين، وعلى تحسين بيئات العمل، وعلى رفع إنتاجية موظفيهم، وعلى صنع أجواء عمل إيجابية في المواقع، حتى تكون دافعاً للموظف على العطاء، وأهم عواملها تتمثل بتطبيق الإدارة الصحيحة، ومحاربة الفساد الإداري عبر وقف ممارسات الظلم والتمييز، وتمكين الكفاءات وتطويرها وفتح آفاق التقدم لها.
والله لدينا في البحرين حالات عديدة وصلت لمراحل بحيث تكره النهوض صباحاً والذهاب لأعمالها، لا لأنها لا تريد خدمة البلد، ولا لأنها غير جديرة بشغل وظيفة حكومية، بل لأنها تعانى من "ظلم" مسؤولين ومتنفذين، تذوق الويلات من "الفساد الإداري" و"المحسوبيات" و"الشلليلة" و"اللوبيات"، وصل بعض الأفراد لحالات نفسية لأن بعض المسؤولين على القطاعات حولوا بـ"غطرسة" و"تجبر" قطاعات عامة يفترض أنهم "يخدمون" فيها الوطن والمواطن، لأشبه ما تكون "ممتلكات خاصة" يفعلون فيها ما يشاؤون من تجاوزات وديوان الرقابة يكتب أحياناً ويغيب ليس لأحيان أخرى بل لسنوات عن قطاعات معينة، ولا رادع ولا موقف لهذا الفساد، والنتيجة هي تحطيم نفسيات الموظفين، وتردي الإنتاجية، بما ينعكس سلباً على الوطن.
سمو رئيس الوزراء وجه كثيراً، وأسس لأعراف إدارية قوية في الإدارة الصحيحة، لكن يبدو أن بعض المسؤولين "لا يسمعون"، وسمو ولي العهد أيضاً يمضي بقوة لتدريب الكفاءات وتطوير الشباب، ويؤمن بأن الإدارة الصالحة هي أساس كل شيء، لكن يبدو أن بعض المسئولين وكأنهم يعملون بأسلوب معاكس تماماً، شعارهم "تحطيم" نفسيات الموظفين، وتدمير الكفاءات طالما أنهم ليسوا ضمن الجوقة أو الحاشية، أو ممن يمتلكون ضمائر ولا يرضون بالخطأ.
خمسة قطاعات في الإمارات أمهل سمو الشيخ محمد بن راشد القائمين عليها ستة شهور فقط لتحسين بيئات العمل لرفع نسبة رضا الموظفين الذين وصفهم بأنهم "رأس مال الحكومة الأغلى" وإلا فإن تغيير الرؤوس هو الحل، يا ترى لو طبقنا نفس المعادلة لدينا، كم مسؤولاً يجب أن يزال ويتم تغييره؟! والسؤال الذي يسبق هذا كله، كم نسبة الرضا التي يجب أن يتم رفعها لدى الموظفين في مختلف القطاعات؟!
نحن نقول بأن "الإنسان البحريني هو ثروتنا"، لكن هل بالفعل مسؤولو القطاعات في الدولة يحافظون على هذه "الثروة"، أم أن كثيرا منهم يهدرونها بل يدمرونها؟!
سمو الشيخ محمد بن راشد "تغريدتك الذهبية" أوجعتني، وأوجعت كل من يريد الإصلاح ومحاربة الفساد الإداري الذي ينخر في جسد الوطن والمواطن، لو ترك دون تصد حازم.