أدهشتني جمانة القصاب وهي تنهض لاستلام جائزتها لفوزها بالمرتبة الأولى في جائزة الخليج العربي للروائيين الشباب "24 ساعة" بابتسامة ممتزجة بين الفرحة البريئة والخجل، وبذات الوقت جذبتني لقراءة ما كتبته خلال يوم فقط.
لم أنتظر طويلاً فالفضول لمعرفة سبب فوزها على أقرانها، وما تخفيه وراء ابتسامتها البريئة أغراني على قراءة رواياتها بذات الليلة.
التصور الأول بأن وراء هذا العنوان رواية طفولية خيالية شقية، وبدأت بقراءة سطور الصفحة الأولى، ومطلعها "إنها تنام فقط تعرفين؟ تستيقظ وحوش الكبار عندما يخطئون أنا أيضاً لدي وحش صغير الآن ينام في حضني".
الرواية تبدأ من غرفة المشرفة وتوبيخها لبطلة الرواية وتنتهي عندها، وخلف هذه الغرفة تسرد قصصاً وأحداثاً لا تخطر على البال.
جمانة بدأت بوحشها الصغير ثم امتدت لأقرب الناس إليها والديها عند الغضب، وتنتقل إلى وحش المشرفة والمدرسة، وزميلاتها بالصف، وأكبرهم وحش سائق الحافلة.
استدرجتني صفحات الرواية الواحدة تلوى الأخرى، فلم أتوقع بأن خلف هذه الابتسامة فكراً يطرح قضية حساسة جداً بصورة بريئة جداً.
جمانة نجحت في طرح مسألة التحرش والاعتداء الجنسي من قبل سائق الحافلة على الأطفال بكلمات عفيفة، بمصطلحات طفولية، بالفعل كانت طفلة تكتب بعض المشاهد بالرواية وليست جمانة.
وحش جمانة بدأ يكبر بالرواية وهي بدأت تكبر بطرحها للفكرة، وتمردت بقلمها وأخذت تسرد صوراً أكثر دقة للقضية التي تتبناها بروايتها، لكنها لم تخرج عن العفة، وهذا ما يميز قلمها، فهي تطرق باب قضية العفة بكلمات عفيفة.
الرواية جاءت لطرح النقيض من الفكر القائل بأنه داخلنا طفل لا يكبر، فهي على الطرف المتعارض تقول بأن كلاً منا يوجد وحش بداخله ويشكل بحسب الظروف والبيئة المحاطة به، ينام لكنه لا يموت.
وحش جمانة في روايتها كان حملاً بريئاً يحب الفن والرسم في ظل أسرة هادئة محبة، لكن وحش سائق الحافلة هدم براءتها فحولها إلى وحش جامح.
هذه الرواية ليست كغيرها من الروايات الرومانسية التي تتهافت عليها عشرات الفتيات وينتظرن بالساعات للحصول على توقيع كاتبها في معارض الكتب، لتُقرأ مرة واحدة وتُرمى وتُطوى خلف النسيان.
نجحت جمانة في بناء خطها الروائي الخاص بها، فهي صاحبة فكر يتجاوز عمرها الزمني، وقلم طفولي عميق بطرحه، وسيترك علامة بارزة في عالم الكتاب والروائيين.
وصدقتِ يا جمانة بأن الوحوش تنام ولا تموت، وأتمنى نوماً عميقاً لبعض الوحوش لننعم بالسلام، وفي انتظار جديدك.