هنا مثال يعين على تبين الفراغ الذي يعاني منه أولئك الذين يعتبرون أنفسهم "معارضة" واعتقادهم بأن الاستمرار في أسلوبهم المعتمد على المبالغة وتضخيم الأمور يجعل منهم رقماً موجباً . فقد كتب أحدهم قبل أيام في حسابه على "تويتر" عبارة يعلن من خلالها بأنه يتم "الآن" إيقافه في المطار أثناء عودته من إحدى الدول العربية حيث شارك في مؤتمر ومنتدى عربي ، وهو إعلان المراد منه البدء في التغريد لـ"إرغام" السلطة على عدم توقيفه، ذلك أن أولئك يعتقدون أنهم بهذه الطريقة يمكنهم إحراج الحكومة وجعلها تتراجع عن اتخاذ أي إجراء ضد الشخص المعني، ناسين أن الذي قام بعملية الإيقاف دولة وليس جمعية سياسية أو نادياً.
مباشرة بعد نشر ذلك الشخص - الذي يفهم من تغريدته أنه يعتقد أنه مهم وأن العالم يجب أن يقف على رجل واحدة بسبب توقيفه وسؤاله أو احتجازه – أعادت مغردة نشر الخبر وتلاها آخرون، وبعدها تم نشر التعليقات والعبارات المعبرة عن التعاطف معه ومؤازرته، وبناء على تلك التغريدة والتغريدات المؤازرة أصدرت منظمات حقوقية لا تعرف شيئاً عن سبب التوقيف بيانات التنديد والشجب والاستنكار وطالبت بالإفراج عنه "فوراً" وقامت الفضائيات "السوسة" بدورها في هذا الخصوص . لكن أحدا لم يكلف نفسه السؤال عن سبب توقيف ذلك الشخص والجميع اعتبر أن حصول ذلك يعتبر اعتداء من الدولة على أحد مواطنيها، فهؤلاء وبسبب عدم إدراكهم لدور الدولة وحقوقها يعتقدون أن قيامها بسؤال مواطن عند عودته من الخارج عن أي شيء اعتداء بل جريمة تستوجب التصدي لها.
قيام أي سلطة في العالم بإيقاف أي مواطن عائد من الخارج وسؤاله عن أي أمر حق مكفول لها ، والإيقاف لا يعني الاعتقال وإن تبعه تحقيق، كما أن من حق المواطنين والمقيمين على الدولة أن تحميهم من كل ممارسة خاطئة يقوم بها أي شخص في الداخل أو الخارج، ولأن ذلك واجب عليها لذا تقوم بعمل كل ما يطمئنهم ويشعرهم بأنهم في أمان.
البحرين دولة مستقلة، ومثلها مثل باقي دول العالم لها الحق في الاستفسار من مواطنيها ومنع حدوث أي تجاوز أو إساءة أو إضرار بالأمن، لهذا ينبغي ألا يكون مستغربا قيام السلطات المعنية بالاستفسار من أي مواطن قادم من الخارج عن أي شيء، وطالما أن هذا المواطن لم يفعل ما يمكن اعتباره تجاوزا فما الذي يخيفه ويدفعه إلى طلب "النصرة" عبر التغريد قبل أن يعرف المطلوب منه؟ وما الذي يجعل تلك المنظمات تسارع إلى إصدار البيانات؟
الحقيقة التي ينبغي أن يدركها هؤلاء جميعاً هي أن كل هذا الصراخ عديم الجدوى، فالدولة لا تتوقف عن ممارسة حقها بسبب تغريدات تنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو بسبب بيانات تصدر عن منظمات حقوقية أو أخبار تتناولها الفضائيات، ولأن توجيه سؤال لمواطن في المطار أمر عادي، وكذلك أمر عادي قيام سلطات المطار بإيقافه وتحويله إلى الجهات ذات العلاقة للتحقيق معه لو وجدت أن المصلحة تقتضي ذلك، لذا فإن التفسير المقبول لنشر أولئك تلك التغريدات وإصدار تلك البيانات هو أنهم يعانون من الفراغ ويعتقدون أنهم بهذه الطريقة يمكنهم الضغط على الدولة فتستجيب لهم وتتراجع عن ممارستها حقها.
الصراخ بهذه الطريقة وبغيرها لا ينفع مهما ازداد وعلا، فما تقوم به السلطات المعنية أمر طبيعي ووارد في كل موانئ الدول، الجوية والبحرية والبرية، وهو حقها وحق الناس عليها، واستفسارها عن أي شيء من أي مواطن أو زائر لا يعني التوقيف، والتوقيف لا يعني الاعتقال إلا إن كان هناك ما يستدعي ذلك. فلم كل تلك الضجة؟