لن أتحدث عن أهمية المطارات الدولية في اعتبارها الواجهة الأولى التي يكوّن فيها السائح أو العابر انطباعه عن بلد ما، ولا عمّا يجب أن نوليه من أهمية لمطاراتنا، فبعض دولنا الخليجية قد عنت بهذا المجال على نحو مبهر ومازلنا بانتظار ثمار جهود دول أخرى -من بينها البحرين- في مطاراتها الجديدة المرتقبة. أما ما يهمني الوقوف عليه في هذا المقال جانب محدد من السوق الحرة، ذاك المتعلق بالهدايا، فلا أخفيكم كيف كنت أقف لفترة طويلة في حيرة لاختيار هدية تذكارية تحمل هوية البحرين آخذها معي عندما أسافر، لا سيما إن كانت وجهتي لبلد خليجي، إذ تشابهت الهدايا في كل المطارات الخليجية وأصبحت طلبية واحدة بتبدل الطباعة عليها لتحمل هدايا كل بلد اسمها فقط.!!
لست ممن يتنصل من هويته، ولكن تحفظي كبير على اختيار الجمل والخيمة كرموز وحيدة للهوية الخليجية، لأنها بقدر ما تعبر عن مرحلة مضت خصوصاً للدول التي لديها مساحات صحراوية شاسعة، ولكنها أيضاً تختزل صورة العربي المشوهة للخارج، وليس في ذلك تسويق لبلداننا أو مفخرة، وبقدر حبي واعتزازي بالبدو الخليجيين وبقيمهم وأصالتهم، إلاَّ أنني أرفض تقديم الشعوب الخليجية أو تعميم صورتهم في البدوي، لأن صورة البدوي في الخارج سوقتها الأفلام الأجنبية على نحو مخالف لحقيقتها، وقدمتها في صور من الجهل والتخلف والرجعية، لم يكن عليها البدو ولم يؤل حالهم إليها، فمن البدو استلهم الخليجيون أغلب علومهم في الفلك والطب الشعبي وعلم الأنساب وغيرها، ومن البدو نتعلم حتى اليوم معنى الكرم والمراجل و"السنع" والأصول، لهذا هم مفخرة لنا، لا نرضى تسويقها على نحو مبتذل أو جعلها مصدر للتندر علينا لخلل ارتكبه الآخر في تقديمنا ولم نلتفت لتصحيحه حتى اليوم.
إن الاحتفاظ برمز الجمل والجبل، جعل البعض في الخارج يظن أن الخليجيين مازالوا رحالة في الصحراء، وكشف عن ذلك الغزو العراقي للكويت بحديث سمعته من أحد الخليجيين نقلاً عن جندي أمريكي من المحاربين يقول فيه إنني لم أكن أظن الكهرباء قد وصلت إلى بلادكم، ولم أظن أنكم تتمتعون ببنية تحتية ومرافق ومؤسسات؛ فتصوري عنكم لم يتجاوز الخيام والصحراء، وكنت قد استصعبت خوض هذه الحرب نظراً لقساوة الظروف البيئية التي ارتسمت في مخيلتي عن بلادكم!! هذه واحدة من الروايات التي سمعتها ومازلت أشكك في صحتها بل أكاد أجزم أنها غير صحيحة، بافتراض وجوب تمتع العسكري الأمريكي بوعي أكبر وإلمامه بمعلومات عن البيئة التي سيحارب فيها. الرواية فيها ضرب كبير من المبالغة والتهويل، ولكن بمعزل عن صحتها.. هل تساءلنا يوماً كيف ترانا شعوب العالم الأخرى ممن سمعت بنا ولم ترنا، ثم لم يصلها منا إلاَّ "جمل" في هدية تذكارية نستخف فيها بأنفسنا أمام الآخر؟!!
هوية الجمل تحديداً لا تمثل البحرين بالذات، ولو ركزنا على الثقافة البحرية لكان خيراً لنا، ولنا أن نركز على القوارب واللآلئ والأصداف، والذهب البحريني، وصروحنا العمرانية الحديثة. لنا أن نركز على هدايا تذكارية ومجسمات تجسد باب البحرين وواجهات المتاحف ومدرسة الهداية كأول مدرسة مثلاً، أو هدايا تحمل صورة أحمد الفاتح المؤسس، أو تحمل صورة رموز وطنية، لنا أن نتعاون نبحث عن أوجه تعاون مع مؤسسات ذات أهمية ووزن في البلاد كمؤسسة النقد مثلاً لتقديم هدايا تذكارية للعملات القديمة والحديثة، وكفانا من الجمال!!
لفتتني هدية في أحد المؤسسات المصرفية في البحرين، هي عبارة عن غصن المشموم المحفوظ في علبة زجاجية كعلبة الورد طويل الأمد، وضعت في فرع أحد المصارف التي ارتدتها قبل قرابة شهر، ولكم تمنيت لو أن أفكاراً كهذه يستلهمها المسؤولون عن انتقاء الهدايا التذكارية التي تحمل الهوية البحرينية لتكون هدية السائح إلى أهل بلده، أو هدية البحريني التذكارية التي سيأخذها إلى وجهة سفره، كما فعل معنا اللبنانيون عندما أهدونا شجرة الأرز الشهيرة في بلادهم.
اختلاج النبض:
تفاصيل صغيرة تلك التي ترسم ملامحنا أمام الآخر وتحدد هويتنا وعمقنا الثقافي والحضاري، وما لم نحترم إرثنا ومكتسباتنا ونقدرها حق قدرها، ونمنحها من التسويق ما تستحق، لا يحق لنا يوماً الحديث عن صورتنا المشوهة لدى الآخر.