على الرغم من هدوئه الذي اعتبره الكثير من أهم سماته الشخصية، واختلف الناس والمقربون منه في تفسيره، فبعضهم كان يفسر هدوءه على أنه نوع من أنواع البرود، وآخرون كانوا يرون أن هذا الهدوء يحمل غموضاً مخيفاً حيث لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، وبعضهم اعتبر هذا الهدوء نوعاً من أنواع الجُبن وخشية من مواجهة المواقف، إلا أنني شخصياً كنت أرى في هدوئه - رحمه الله- حكمة ووقاراً. كان قليل الكلام، وعلى الرغم من قلة كلامه المصاحبة لهدوئه إلا أنه صاحب مواقف حاسمة. بمعنى أنه إذا ما «استدعت» الحاجة إلى تدخله» فتأكد بأنه سيقول قولاً مقتضباً وحكيماً. كنا فوضويين، كثيري الحركة، مختلفين إلى حد يصل بنا أحياناً إلى التنافر، كان لكل منا مشاكله الخاصة، وعقباته الخاصة، وأحلامه الخاصة، وكان عليه أن يتعامل معنا جميعاً برغم كل هذه الاختلافات ويدير زمام الأمور بحكمة وروية. أذكر أنني أحياناً كنت استغرب من هدوئه في التعامل مع الأمور، وأدركت لاحقاً بأن التروي وتحكيم العقل ضرب من ضروب الحكمة.
ومازال هذا اليوم حاضراً في مخيلتي، كنا نجلس جميعاً كالعادة، وكانت ضحكتنا تمتزج مع حدة نقاشنا، وأذكر حينها أن أحداً من أخواني نزع رداء «الأدب» لوهلة في حضوره، وتمادى في تعليقاته التي لم تكن مقبولة في محيط أسرتنا. وفجأة ودون أي مقدمات أو شرح وبثبات ودون تغير ملامح وجهه الهادئة قالها بهدوء تام «معَصّي.. قم أطلع برع»، ظننا لوهلة أنه لربما قالها من باب المزح المبطن بالتهديد، ولكنه كررها بقوة وهو يشير إلى الباب «قلت لك.. إذا ما بتعرف تحشم روحك.. قم اطلع برع». انتاب الهدوء المكان، ولم يحرك أحد فينا ساكناً، وأدركنا منذ ذلك الحين معنى «الحسم». أذكر أنني سألته بعد هذا الموقف عن سبب حزمه المفرط وقسوته على أخي فأجابني «هناك مواقف وأمور لا يقبل فيها «التراخي» وهذا ما كنت أريد أن أوصله لأخيك ليعتبر من الدرس». لا أعرف لماذا تذكرت هذا الموقف عندما أعلنت المملكة العربية السعودية عن قطع علاقاتها الدبلوماسية مع كندا. كلمة واحدة حاسمة، جعلتني أسترجع هذا الموقف رغم كل السنين التي مرت. كلمة واحدة قالتها المملكة العربية السعودية لكي تعلم العالم معنى «عدم الخروج عن الأدب الدبلوماسي، وعدم التدخل في شؤون الآخرين»، ولتلقنهم درساً قاسياً يشبه الدرس الذي لقنه والدي – رحمه الله – لأخي سابقاً وجعله يلتزم بمنظومة الأخلاق والأعراف التي تربينا عليها.
* رأيي المتواضع:
أذكر أنني سألت أبي عن معنى كلمة «معصّي» بتشديد الصاد، فضحك ضحكة باردة تتلاءم مع ملاحه الهادئة التي لم يورثها لأي منا وقال «تجمع هذه الكلمة أكثر من معنى، وأنصحكِ يا بنتي باستخدامها إذا ما حاول أحد الإساءة لك، أو تعدى حدوده معك».
ومازال هذا اليوم حاضراً في مخيلتي، كنا نجلس جميعاً كالعادة، وكانت ضحكتنا تمتزج مع حدة نقاشنا، وأذكر حينها أن أحداً من أخواني نزع رداء «الأدب» لوهلة في حضوره، وتمادى في تعليقاته التي لم تكن مقبولة في محيط أسرتنا. وفجأة ودون أي مقدمات أو شرح وبثبات ودون تغير ملامح وجهه الهادئة قالها بهدوء تام «معَصّي.. قم أطلع برع»، ظننا لوهلة أنه لربما قالها من باب المزح المبطن بالتهديد، ولكنه كررها بقوة وهو يشير إلى الباب «قلت لك.. إذا ما بتعرف تحشم روحك.. قم اطلع برع». انتاب الهدوء المكان، ولم يحرك أحد فينا ساكناً، وأدركنا منذ ذلك الحين معنى «الحسم». أذكر أنني سألته بعد هذا الموقف عن سبب حزمه المفرط وقسوته على أخي فأجابني «هناك مواقف وأمور لا يقبل فيها «التراخي» وهذا ما كنت أريد أن أوصله لأخيك ليعتبر من الدرس». لا أعرف لماذا تذكرت هذا الموقف عندما أعلنت المملكة العربية السعودية عن قطع علاقاتها الدبلوماسية مع كندا. كلمة واحدة حاسمة، جعلتني أسترجع هذا الموقف رغم كل السنين التي مرت. كلمة واحدة قالتها المملكة العربية السعودية لكي تعلم العالم معنى «عدم الخروج عن الأدب الدبلوماسي، وعدم التدخل في شؤون الآخرين»، ولتلقنهم درساً قاسياً يشبه الدرس الذي لقنه والدي – رحمه الله – لأخي سابقاً وجعله يلتزم بمنظومة الأخلاق والأعراف التي تربينا عليها.
* رأيي المتواضع:
أذكر أنني سألت أبي عن معنى كلمة «معصّي» بتشديد الصاد، فضحك ضحكة باردة تتلاءم مع ملاحه الهادئة التي لم يورثها لأي منا وقال «تجمع هذه الكلمة أكثر من معنى، وأنصحكِ يا بنتي باستخدامها إذا ما حاول أحد الإساءة لك، أو تعدى حدوده معك».