نعمل في البلد مثلما فعل والد أحد طفلين، قام الأول بضرب الثاني بحجر فشج رأسه وأسال الدم، فبدلاً من توبيخ الضارب قال له الوالد: المرة القادمة اضربه بحجر أصغر حتى يكون الشج أصغر!!

للأسف هذا هو واقع الحال، وإلا بالله عليكم هل سمعنا في بلد من شعاراته محاربة الأخطاء والفساد الإداري والمالي ولديه ديوان رقابة اصدر تقارير دسمة مخالفاتها موثقة بالأرقام والدلائل، هل سمعنا بإقالة مسؤول بمستوى «هامور» وإحالته للمثول أمام القانون؟!

بل لنخفف من المسألة ونقول: هل سمعنا باستخدام حجر أصغر ليكون الشج في الرأس أصغر؟! بمعنى أن الاستبدال يتم ليأتي من يغير واقع هذا القطاع أو ذاك إلى الأفضل نوعاً ما؟!

يجيبنا حجم تقارير الرقابة نفسها، فبدلاً من أن تصغر وتقل أوراقها نراها تكبر، ما يعني منطقيا أن عملية التصحيح تتم بالعكس، ومن يأتي يزيد الطين بلة.

ولربما كانت هذه النظرة غير منصفة، لكن الاعتماد على الرصد والأرقام والتوثيق يقول شيئاً آخر.

نعود للحديث عن حالة الثقة، ونقول بأنها لدى المواطن ينظر لها كما الحليب منزوع الدسم، فحتى ما يعلن عنه من إجراءات لا توازيه نتائج تفرض على الناس التفاعل بقوة.

الجدية في القضاء على هذه الظاهرة المستفحلة وكأنها انتهت ولم نعد نسمع لها صوتا مؤثراً. وطبعاً في جانب آخر انسوا مجلس النواب المحترف في الصراخ والزوابع الإعلامية غير الجادة، إذ كلها شهرين ويصبح أعضاؤه نواب سابقين، ويا تقارير اغرقي في الغبار حالك حال سابقيك.

لا يعقل أن تكون قطاعات الدولة حقول تجارب نجرب فيها أياً كان، ولا يعقل أن تكون تجارب نجرب فيها من نريد مكافآته. قطاعات البلد وهي الملك العام الذي يجب أن تخدم الوطن والمواطن يجب أن يوضع عليها من يريد خدمة الوطن ومن لا يتم التردد في محاسبته ومسائلته إن أخطأ، لا يقبل أن يوضع عليها أناس لا يمكن حتى انتقادهم ثم نأتي لنقول بأن حرية التعبير والنقد مكفولة، ثم نأتي ونقول للبرلمان بأن حاسب وراقب واطرح الثقة.

نريد لعجلة البلد أن تدور بشكل علمي صحيح وكفء، وحتى يتحقق ذلك لا يمكن القبول والاستمرار بنفس طريقة الأب حينما يقول لولده: المرة القادمة استخدم حصاة اصغر حتى يكون «الشج» أصغر!!

* اتجاه معاكس:

يخطئ بحق نفسه وبحق وطنه وقطاعه المسؤول الذي يصد أذنه عن سماع أخطاء عمله، وهناك من فعل ذلك ثم اضطر للاستعانة بشركات ومؤسسات خارجية بعقود مالية ضخمة لتلعب له دور الناصح أو المستشار، أفلاطون يقول: «من يأبى اليوم قبول النصيحة التي لا تكلفه شيئاً، فسوف يضطر في الغد إلى شراء الأسف بأغلى سعر».